الإصلاح الجبائي بالمغرب: السياق-المضامين-الخلاصات - سهام العلوي

  

الإصلاح الجبائي بالمغرب: السياق-المضامين-الخلاصات

Tax reform in Morocco: context-contents-conclusions

 سهام العلوي/ طالبة باحثة في سلك الدكتوراه تخصص القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – وجدة  - تخصص القانون العام

Shiham Elalaoui

 


مقدمة:

يقع موضوع الإصلاح الجبائي في صلب الإصلاحات الهامة التي يمكن أن تقوم بها الدولة، وذلك للارتباط الوطيد الذي يجمع هذا المجال بالمجتمع وتنميته، وكذا للدور الهام الذي يعتريه هذا الإصلاح في تمويل السياسات العمومية، والحفاظ على التوازنات المالية والماكرو-اقتصادية، باعتباره الرافعة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

 إذ غالبا ما كان هذا الموضوع يثير نقاشا واسعا بين مختلف مكونات المجتمع من جهة، وبين الباحثين والمتخصصين في المجال الجبائي من جهة أخرى، فدائما ما نجد موضوع الاصلاح الجبائي متصدرا في مختلف الخطابات سواء السياسية أو الحكومية أو الأكاديمية.

بالإضافة لفعاليات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات، والتي خلفت بدورها عدة توصيات داعية لخلق حلول ناجعة للقضاء والحد على مختلف الاختلالات التي تعتري المنظومة الجبائية الحالية، إلى جانب التقرير الصادر عن لجنة النموذج التنموي الجديد، والذي خصص بدوره حيزا هاما للإصلاح الجبائي، من أجل القيام بدوره الفعال في تمويل السياسة العمومية للدولة، وتعزيز التماسك الاجتماعي بين مختلف المواطنين.

وتفاعلا مع ما سبق، ارتأت الحكومة أن تفرج على مشروع القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، ليكون بذلك مرجعا أساسيا يؤطر السياسة الجبائية للدولة.

ويرجع أسباب خلق هذا الإصلاح الى عدة عوامل مرتبطة أساسا بمجموعة من الاختلالات والنواقص التي تعتري المنظومة الجبائية الحالية، وهذا ما يعبر عنه جليا من طرف الفاعلين في المجال الجبائي، والتي تتمثل في مختلف التوصيات والمخرجات المنبثقة عن مختلف المنابر الإعلامية أو السياسية أو الأكاديمية، المتمحورة حول النظام الجبائي.

 وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه من خلال هذه الورقة، بإبراز أهم المرجعيات الأساسية لإخراج هذا المشروع الإصلاحي الى حيز الوجود، بالإضافة إلى تقديم قراءة حول أهم مضامين هذا الإصلاح، مع تقديم بعض الخلاصات و النتائج في نهاية هذه الورقة.

1 – الإطار المرجعي للإصلاح الجبائي:

1.1    – الدستور والقوانين.

يعتبر مسلسل الإصلاح الجبائي، وليد لمجموعة من التطورات و المسارات التاريخية الطويلة، تظافرت فيها مجموعة من العوامل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، حيث عرف المغرب أول إصلاح جبائي عام و شامل سنة 1984[1] ضمن مجموعة من الإصلاحات الهيكلية التـــي همت مختلف المجالات المرتبطة بالمالية العامة، مرورا بإصلاح النظام الضريبــــي المحلي و ذلك عبر سن القانون رقم 30.89[2] المتعلق بالجبايات المحلية و هيأتها، إلا أن هذا الأخير وجد صعوبة في تطبيقه على أرض الواقع نظرا للتعقيد الذي كان يشوب مضمون نصوصه، مما كان لابد من تعويضه  بقانون جبائي محلي معدل، و هذا ما جعل القانون 47.06[3] أن يخرج للوجود.

مرورا بالمحطة البارزة في تاريخ التشريع الضريبي، والتي تميزت بإصدار المدونة العامـــة للضرائب[4]، والتي وضعت حد لتشتت المقتضيات الجبائية في العديد من القوانين وعملت على تجميعها، حيث أن هذه الأخيرة تعرف تحيينا كل سنة وفق التوجهات الكبرى لقانون المالية السنوي.

وبعد المستجدات و التطورات التي شهدها النظام الضريبي على المستويين الوطني و الدولي، والتي كشفت عن وجود العديد من الاختلالات و النواقص التي تعتري هذه المنظومة، كان لا بد من إرساء إصلاح جبائي عام يتماشى مع هذه التطورات المستجدة، و هو ما جاء به قانون إطار رقم  19-69 المتعلق بالإصلاح الجبائي[5]، ليكون بذلك مكملا لكل النواقص السابقة.

وقد توج هذا المسلسل الإصلاحي باعتماد اللبنة الأساسية والمرجع الأصلي، القانون الأسمى في البلاد ألا وهو دستور المملكة، والذي نص صراحة على التزام الدولة بإرساء سياسة جبائية عادلة ومتوازنة ومنصفة ترقى للنهوض بالمنظومة الجبائية.

1.2 – الرسائل والخطب الملكية.

بالوقوف عند الفصل 52 من الدستور يتبين لنا أن الملك يخاطب الأمة والـــبرلمان عبر آلية الخطــــب والرسائل الملكــــية التي تعتبر من بين الطرق والوسائل التي تُعبر عن الإرادة الملكية وتترجـــم مواقفها وتوجهاتها[6]. حيث تعتبر الخطب والرسائل الملكية مرجعية أساسية لأي إصلاح يراد تنزيله كيفما كان.

و بالرجوع للخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد[7]، و الذي دعا فيه  لجنة النموذج التنموي بالتركيز الجدي و بشكل أولي على إصلاح القطاع الضريبي، والوقوف عند الاختلالات التي تشوب هذه المنظومة، وكذا تأكيد جلالته عبر الرسالة السامية التي وجهها أثناء المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية[8]، على التعاطي الجدي مع إشكالية الفوارق المجالية و الاجتماعية التي تطرحها إكراهات النظام الجبائي اليوم بالدعوة الى إصلاح هذا القطاع وفق ضوابط تنظيمية لتعزيز الدور الاستراتيجي للدولة كما جاء على لسان جلالته في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الواحدة و ستين لثورة الملك و الشعب[9]، و لا يُفوت سموه أية مناسبة ليعبر عن مدى الأهمية القصوى التي يعتريه هذا النظام باعتباره الرافعة الأساسية للتنمية و الازدهار الوطني.

1.3 – المناظرة الوطنية للجبايات 2019.

تعد المناظرة الوطنية للجبايات في نسختها الثالثة بمثابة فرصة للباحثين والمتخصصين في المجال الجبائي، بفتح حوار وطني شامل حول أهم المواضيع المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

حيث انعقدت هذه المناظرة في سياق ما يعرفه النظام الضريبي من مشاكل واختلالات سواء على مستوى انعدام العدالة الجبائية من جهة أو على مستوى الجبايات المحلية وعدم ملائمة أسسها وإجراءاتها مع جبايات الدولة من جهة أخرى.

وعليه، كان من بين أهم ما ارتكزت عليه مخرجات هذه المناظرة بشكل عام، والتي حددت في أربع محاور[10]:

1 – المبادئ الأساسية،

2 – العقلنة الاقتصادية،

3 – الانسجام والشمولية،

4 – الحكامة الجيدة.

1.4 – تقرير النموذج التنموي.

لنجاح أي نموذج تنموي ينبغي بدرجة أولى أن يرتكز على أُسس تمويلية داخلية لتفادي الاقتراض، وهو ما أًصبح ضرورة إصلاح النظام الجبائي كغاية ملحة لإنجاح هذا النموذج، باعتباره المورد الأساسي والأهم لسد حاجيات الدولة والممول الرئيسي للسياسات المالية العامة.

 ومن بين أهم الأهداف التي جاء بها تقرير النموذج التنموي هو مطلب الإصلاح الضريبي على ضوء ما خلصت له المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات، بعدما وصفت اللجنة في تقريرها بأن النظام الجبائي الحالي، هو نظام غير منصف، و المداخيل المعبأة ضعيفة مقارنة بإمكانات الاقتصاد الوطني، مشيرة الى أنه هناك عدة اختلالات تفسر مكامن الضعف الحالية في هذا النظام[11]، و المحددة  باختصار حسب ما ورد في الملحق الثاني للتقرير العام للنموذج التنموي:

§       عدم حياد القواعد الضريبية بالنسبة لطبيعة الدخل،

§       وجود إعفاءات واستثناءات لا إثبات لأثرها،

§       عدم الانصاف الضريبي،

§       ضعف في المقروئية وفي التناسق والرؤية على المدى البعيد ،

§       عدم استقرار مضامين المدونة العام للضرائب بتحيينها السنوي،

§       تعقيد نظام الجبايات المحلية وعدم التنسيق بين المتدخلين فيه،

§       الغش والتهرب الضريبيين .

كما أضاف التقرير العام بأن خلق سياسة جبائية أكثر فعالة، من شأنها تعبئة موارد إضافية تتراوح ما بين 2% و3% من الناتج الداخلي الخام، وسيأتي ذلك من خلال تحسين العدالة الجبائية، وتوسيع الوعاء الضريبي وإدماج القطاع غير المهيكل، دون إغفال ترشيد النفقات الجبائية بشكل عام، لاسيما المجالات التي لم يعد الاعفاء الجبائي فيها مبررا[12]. لضمان حكامة فعالة وجيدة تعزز الثقة في النظام الضريبي.

2 – قراءة في مضامين القانون الإطار:

2.1- قراءة في مضمون قانون الإطار

جاء قانون الإطار رقم 19-69 المتعلق بالإصلاح الضريبي، بغية وضع حد للاختلالات والمشاكل التي تعاني منها المنظومة الجبائية الحالية، وذلك من خلال تحديد مبادئه وأهدافه وآليات تطبيقه وفق أولويات محددة، وكذا بتتميم وتعديل ما هو غائب في النظام الحالي، والذي يهم مجموعة من الإشكالات والثغرات المتعلقة أساسا بجانب الانصاف والعدالة باعتبار هاذين المبدأين هما الركيزة الأساسية لأي إصلاح كيفما كان،



  [1] - القانون رقم 3.83 المتعلق بوضع إطار للإصلاح الضريبي الذي أصدر بتنفيذه في 23 أبريل 1984

  [2] ظهير شريف رقم 1.89.187 صادر في 21 من ربيع الآخر 1410 (21 نوفمبر 1989) بتنفيذ القانون رقم 30.89 يحدد بموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها

   [3]  ظهير شريف رقم 1.07.195 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية.

   [4]  المحدثة بموجب المادة 5 من قانون المالية رقم 06.43 للسنة المالية 2007 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 232.06.1 بتاريخ 10 ذي الحجة 1427 .31 ديسمبر2006  

 [5]  مشروع قانون إطار رقم 19-69 المتعلق بالإصلاح الجبائي

 [6]  سي محمد غضبان، السياسات الضريبية بالمغرب محاولة في الأبعاد السوسيوسياسية ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش. الموسم الجامعي 2006 \ 2007 ص:57.

 [7] نص الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى 20- لعيد العرش المجيد. الاثنين 29 يوليوز 2019

  [8]  الرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس،نصره الله الى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، الذي ينظمه مجلس المستشارين تحت شعار ''رهانات العدالة الاجتماعية و المجالية و مقومات النموذج التنموي الجديد'' الرباط الاثنين 19فبراير 2018

  [9]  نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى الواحد وستين لثورة الملك والشعب

 [10] توصيات المناظرة الوطنية للجبايات المنظمة بوم 3 و 4 ماي 2019 بالصخيرات

 [11]-https://2u.pw/9sGt0 يوم 23-08-2021 على الساعة 13:20.

 [12] - النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ، التقرير العام، أبريل 2021.



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد التاسع -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث