خصوصيات التجريم والمتابعة في جريمة الاتجار بالبشر على ضوء القانون 24.17 - منال القرع

 

خصوصيات التجريم والمتابعة في جريمة الاتجار بالبشر

 على ضوء القانون 24.17

The peculiarities of criminalization and follow-up in the crime of human trafficking in the light of Law 24.17

منال القرع/ طالبة باحثة في سلك الدكتوراه تخصص القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والسياسية بطنجة

Manal elkraa

 


مقدمة

يعد الاتجار بالبشر بكافة صوره و أبعاده من أخطر الجرائم التي تشكل انتهاكا و إهدارا للكرامة البشرية ، باعتبارها شكلا من أشكال الرق و العبودية الحديثة ، التي تضرب امن و سلامة و استقرار الأفراد و المجتمع و الدولة على حد سواء.

وبالنظر لخطورة هذه الجريمة التي تتميز عن غيرها، بكونها تعتمد استغلال البشر و سلب إرادتهم و حرمانهم من حرية اختيار مصيرهم، ما فتئت الصكوك و الأليات الدولية و الإقليمية تؤكد على ضرورة سن تشريعات وطنية لمكافحتها و معاقبة مرتكبها و حماية و مساعدة ضحاياها.

وبما أن المغرب لم يعد في منأى عن هذه الظاهرة و تداعياتها و خطورتها ، خاصة مع تزايد أفواج المهاجرين، و تفشي الوسطاء و وكالات الوساطة بالنسبة لإشكال خاصة للإتجار بالبشر، ولاسيما ما يتعلق بالخدمة في المنازل و العمل القسري و أعمال السخرة، وحيث إن المواطنين المغارية بدورهم قد يقعون بالخارج ضحايا للإتجار بالبشر، فقد انخرط المغرب منذ سنوات في دينامية المنتظم الدولي الهادفة إلى مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر.

ووفاء بالتزامات المغرب الدوليــــة، وتفعيلا لمقتضيات الوثيقـــــة الدستورية التي نصــــت على ضرورة التصدي لكافة انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في شقها المرتبـــط بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر تم إعداد مشروع قانون 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، الذي دخل حيز التنفيذ فــــي شتنبر من عام 2016.

وعليه سنتطرق في هذه المقالة العلمية ولو بشكل مقتضب  للحديث عن الأحكام العامة لجريمة الاتجار بالبشر في (المبحث الأول)، على أن نخصص (المبحث الثاني) خصوصيات المتابعة في هذا النوع الخاص من الجرائم باعتبار أن المشرع خص ضحية الإتجار بالبشر بمجموعة من الضمانات سنتناولها في حينه.

المبحث الأول: الأحكام العامة لجريمة الإتجار بالبشر

تقوم جرائم الاتجار بالبشر على أركان، وتتنوع هذه الأركان ما بين محل للجريمة، وهو ما يقع عليه فعل الاتجار (المطلب الأول)، وركن مادي، وهو ما تقع به وقائع جرائم الاتجار بالبشر (المطلب الثاني)، وركن معنوي، وهو ما يلازم وقائع الاتجار بالبشر من قصد ونية (المطلب الثالث)، وسندرس هذه الأركان تباعا، جاعلين لكل ركن منها مطلبا، وذلك على النحو الآتي:

المطلب الأول: محل جرائم الإتجار بالبشر و صورها

تقتضي جريمة الاتجار بالبشر ركنا افتراضيا يتعلق الأمر بضرورة توافر محل جريمة الاتجار بالبشر حيث نص على ذلك المشرع المغربي في القانون 24.17  وعليه سنتطرق في هذا المطلب للحديث عن محل جرائم الاتجار بالبشر و حمایته في (الفقرة الأولى) على أن نتطرق إلى صورها في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: محل جرائم الاتجار بالبشر

 يعتبر محل جريمة الاتجار بالبشر ركنا افتراضيا، حيث يفترض توافره قبل مباشرة الجاني نشاطه الإجرامي، بحيث يكون موجودا قبل وقوع الفعل الجرمي، وفي حالة غياب المحل فلا وجود للجريمة[1] وبالتالي فمحل جريمة الاتجار بالبشر هو موضوعها الذي تقع عليه وتحدث أثرا فيه[2] ويتبين ذلك من خلال قراءة الفصل 1-448 من القانون 27-14 الذي ينص على أنه (يقصد بجريمة الاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه او نقله ...).[3]

وعلى هذا فإن محل الحريمة عند المشرع المغربي هو الشخص الذي يقع عليه الاعتداء، وقد نص كذلك القانون الأردني في المادة 3 على انه تعني عبارة جرائم الاتجار بالبشر استقطاب اشخاص أو نقلهم أو إيوائهم.[4]

 من هنا يتبين أن  التشريعين اعتبرا الشخص هو محل جريمة الاتجار بالبشر ، إلا أن هذا الشخص شخص طبيعي وليس اعتباريا وهو الذي تظهر فيه النتيجة الإجرامية ،أي أن يكون إنسانا يتمتع بالخصائص والصفات الإنسانية، وبما أن الإنسان هو محل جريمة الاتجار بالبشر حسب التشريعات فقد ارتئينا إبراز تعريف مقتضب للإنسان فهو محل جريمة الاتجار بالبشر فهناك تعريفات فقهية وأخرى قانونية تبرز المقصود بكلمة إنسان.

1: التعريف الفقهي الإسلامي في لغة: الإنسان من الناس اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، وعلى الفرد والجمع، واختلف في اشتقاقه

اصطلاحا : يطلق على أفراد الجنس البشري ، باختلاف أجناسهم وألوانهم ، وديانتهم وطوائفهم.

2:التعريف القانوني للإنسان: عرف بعض فقهاء القانون الإنسان بأنه كل كائن حي تضعه المرأة، وذلك سواء كان هذا الكائن مقبولا شكلا أو مشوها كامل النضج أو ناقصا[5]

الفقرة الثانية : صور جرائم الاتجار بالبشر

 تتعدد صور الاتجار بالبشر وتتخذ أشكال متنوعة ويتبين لنا ذلك من الفصل 1-448 من القانون 14-27 في فقرته  الثالثة إذ نص على أنه: " يشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي لاسيما استغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة  أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق  أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية وبيعها أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أوفي النزاعات المسلحة.[6]

يتبين أن المشرع المغربي ذكر مجموعة من الصور في الفقرة الثالثة وتتمثل هذه الصور في الاستغلال الجنسي (أولا ) ثم الاستغلال عن طريق العمل (ثانيا) بالإضافة إلى الاستغلال في الأبحاث الطبية والاتجار بالأعضاء البشرية (ثالثا).

أولا : الاستغلال الجنسي

 يعتبر الاستغلال الجنسي من أبرز صور الاتجار بالبشر و يمكن تعريفه بأنه: استخدام شخص ذكرا كان أو أنثى لإرضاء شهوات الغير بأي صورة كانت، أو إتيان أفعال الاغتصاب وهتك العرض، أو إتيان أي فعل، أو عمل فاضح مخل بالحياء ، أو الاستغلال عن طريق إنتاج رسومات، أو صور وأفلام، أو تأدية أعمال وعروض إباحية.[7]

كما تم تعريفه أيضا بأنه استخدام أشـــــخاص في الدعارة، أو إنتاج المــــواد الإباحية بواسطة التهديد، أو الاحتيال، أو الإكراه ،أو الخطف، أو إساءة استعمال السلطــــة، أو استغلال ضعـــــف المجني عليه،[8] وحسب الإحصائيات العالميـــــة يمثل الاستغلال الجنـــــسي 79 في المئة من صور الاتجار بالبشر.[9]

انطلاقا من الفصل 1-448 في فقرته الثالثة والتعريفين السابقين يتبين أنه ينطوي تحت ظل الاستغلال الجنسي مجموعة من التصرفات تتمثل في دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية عبر وسائل الاتصال والتواصل.

1: دعارة الغير

وهي عبارة عن استخــــدام الجاني للمجــــني عليه، ذكرا كان أو انثى في إشباع شهوة الغـــير الجنسية، مقابل مبالغ مالية يحصل عليها، يستوي في ذلك تخصيصه جزء منها للمجني عليه أو عدم تخصيصه.[10]

 يتبين على أن دعارة الغير، هي استغلال شخص للقيام بممارسات وخدمات جنسية مقابل شيء مادي معين قد تستفيد في هذا المقابل أولا في حين يكون المستفيد الأكبر هو المستغل وأصبحت هذه المظاهر تعرف انتشارا على مستوى العالم، ومن أكثر الممارسات التي تكسب أموال طائلة باعتبار هذا النوع من التجارة محلها هو الإنسان كما سبق وذكرنا ذلك، ومادام هذا الشخص موجودا كان هناك ربح مادي وكلما زاد عدد المنخرطين في هذه التجارة زادت الأرباح.

مما يزيد من خطورة الأمر هو إدماج واستقطاب القاصرين، وإكراههم وتحريضهم على هذه الممارسات الشنيعة، وقد عاقب المشرع المغربي في القانون الجنائي الفصل 497 على انه: يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من عشرين ألف إلى مائتي ألف درهم، كل من حرض القاصرين دون الثامنة عشرة على الدعارة، أو البغاء، أو شجعهم عليها، أو سهلها لهم[11]

و نص المشرع في الفصل 498 من القانون الجنائي المغربي أنه: "يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من خمسة آلاف إلى مليون درهم كل من ارتكب عمدا أحد الأفعال الآتية وهي أن يعين أو يساعد أو يحمي ممارسة البغاء أو جلب الأشخاص للبغاء بأية وسيلة كانت أو أخد بأي شكل كان تصيب مما يحصل عليه الغير عن طريق البغاء أو الدعارة، استخدام أو استدرج أو سلم وحمى شخصا بقصد ممارسة البغاء و الدعارة برضاه أو مارس عليه ضغوطا من اجل ممارسة البغاء أو الدعارة أو الاستمرار في ذلك.[12]

الملاحظ أن المشرع المغربي قد عاقب على استغلال دعارة الغير سواء كان ذلك بالرضا أو الإكراه والتحريض كما عاقب أيضا من قام بتحريض القاصرين.

كما أن دعارة الغير قد تتخذ شكلين شكل وطني ويتجلى في قيام أحد الأشخاص رجلا كان أو امرأة باستقطاب مجموعة الفتيات أو الفتيان ودفعهن إلى الدعارة سواء بالإكراه أو رضا مقابل الإيواء، أو نسبة من الأرباح، أو هما معا في حين يتجلى الشكل الثاني الدعارة الغير كشكل دولي يتجلى في العروض، والوعود بالحصول على حياة أفضل، وعمل مربح خارج الوطن مما ينفع الأشخاص الذين يعانون من الفقر، أو يتطلعون لكسب أموال كثيرة إلى الانسياق وراء هذه العروض الكاذبة والمزيفة، وبعد سفرهم يتم سحب جوازات سفرهم ويجبرون على ممارسة الدعارة تحت الإكراه، وقد حاول المشرع المغربي الإحاطة بهذا الشكل الدولي للدعارة من خلال الفصل 500 من القانون الجنائي ليحكم بالعقوبات المنصوص عليها في الفصول 497 إلى 499، ولو كانت بعض الأفعال المكونة لعناصر الجريمة قد ارتكبت خارج المملكة".

2: الاستغلال عن طريق المواد الإباحية أو عبر وسائل الاتصال والتواصل

 يتمثل هذا الاستغلال في إنتاج رسومات، أو التقاط صور للأشخاص مخل بالحياء ، أو القيام بنشر أو عرضها بغرض الحصول على الأرباح، حيث ساهمت التكنولوجيا خاصة في مجال وسائل الاتصال والتواصل في إنتاج مواد إباحية، وانتشارها بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث تتخذ شكل صور، أو فيديوهات وغيرها.



[1] محمد أحمد محمد النونة المخلافي، الاحكام الجنائية لجرائم الاتجار بالبشر، مجلة الاندلس للعلوم الانسانية والاجتماعية، العدد 12 المجلد 15 سنة 2018 ص 83.

[2] علي حسن الشرفي، أحكام جرائم الاختطاف والتقطع دراسة في فقه الشريعة الاسلامية والقانون اليمني، مكتبة ابن الوليدة، صنعاء، 2009، ص: 121.

[3] القانون رقم 14_27 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر الصادر عقب ظهير شريف رقم 127–16–1 ذي القعدة 1437 /2016

[4] قانون منع الاتجار بالبشر رقم (9) لسنة 2009

[5] عوض محمد، جرائم الاشخاص والاموال،دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية ص7.

[6] الفقرة الثالثة من الفصل 448.1 من القانون رقم 27.14

[7] محمد حمد حسن رقيط، أحكام جرائم الاتجار في البشر دراسة مقارنة، بدون ناشر، ص:56.

[8] محمد حمد حسن رقيط، أحكام جرائم الاتجار في البشر دراسة مقارنة، بدون ناشر ، ص:56

[9] التقييم العالمي عن الاتجار بالأشخاص، خلاصة وافية لمكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في فبراير لسنة 2009، ص:10.

[10] محمد حمد حسن رقيط، أحكام جرائم الاتجار في البشر دراسة مقارنة، بدون ناشر .م س، ص:56.

[11] الفصل 497 من القانون الجنائي المغربي

[12] الفصل 498 من القانون الجنائي المغربي



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد التاسع -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث