المصالحة في نزاعات الشغل بالمغرب - أحمد حميوي

 

المصالحة في نزاعات الشغل بالمغرب

Reconciliation in labor disputes in Morocco

 أحمد حميوي / أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

Ahmed Hmioui

 


تقديم: [1]

عرّف بعض الفقه المغربي قانون الشغل بأنه "مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الفردية والجماعية التي تنشأ بين المشغلين الخصوصيين ومن في حكمهم، وبين الأجراء الذين يعملون تحت إشرافهم وتوجيههم نظير أجر"،[2] أو بعبارة أخرى، قانون الشغل هو "القانون الذي يحكم علاقات الشغل التابع الخاص وما يأخذ حكمها"، حيث يخرج من نطاق تطبيقه تلك العلاقات التي تنشأ بين الدولة وموظفيها، حيث ينص الفصل الثاني من الظهير رقم 1.58.008 الصادر في 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على أنه "يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة."، كــــــما أن قواعد هذا القانون لا تنصرف فقط إلى علاقات الشغل الفردية [3] بل تتــــناول بالتنظيم كذلك علاقات الشغل الجماعية كإحدى المستجدات التي عرفها الميدان القانوني الحديث، غير أن هذه العلاقات، سواء منها الفردية أو الجماعية، قد تخلق نزاعات بين الأطراف المكونة لها.

ويقصد بالنزاعات الفردية في الشغل "كل خلاف يقوم بين الأجير أو المتدرب من جهة،[4] وصاحب العمل،[5] أو ممثله من جهة ثانية،[6] بمناسبة أو بسبب تنفيذ علاقة العمل أو التدريب المهني، لإخلال أحدهما بالتزام من الالتـزامات المحددة في العقد أو لخرقه أو عدم امتثاله لنص قانوني أو تنظيمي أو اتفاقي، مما يسبب ضررا للطرف الآخر." أما نزاعات الشغل الجماعية فعرفتـها الفقرة الأولى من الفصل 549 من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل [7] بأنها "كل الخلافات الناشئـة بسبب الشغل، والتي يكون أحد أطرافـها منظمة نقابيـة للأجراء [8] أو جماعة من الأجراء، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية، مهنية، لهؤلاء الأجراء."

وأضافت الفقرة الثانية من هذا الفصل أنه "تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد، أو عدة مشغلين، أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين."

ونظرا لطبيعة المنازعات الفردية والجماعية، وما قد ينشأ عنها من مضاعفات وإخلال باستقرار علاقات الشغل وإضرار بالاقتصاد الوطني وبالسلم الاجتماعي، وما يترتب على ذلك من إخلال بالحقوق والالتزامات المقررة للطرفين، فإن تشريع الشغل قد أحاطها بعناية تنظيمية خاصة، كما وضع لها إجراءات تسوية متميزة، قصد تسهيل معالجتها وتسويتها في مختلف المراحل التي تمر بها.  

ومن أهم الوسائل البديلة [9] لفض نزاعات الشغل الفردية نذكر الصلح،[10]

الذي عرفه الفصل 1098 من ق.ل.ع على أنه "عقد، بمقتضاه يحسُم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان[11] قيامه، وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدّعيه لنفسه، أو بإعطائه مالا معينا أو حقا."، [12] كما تعرّض له في مجموعة من الفصول الواردة في القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل حيث فرض اللجوء إليه بصورة احتياطية من أجل حل نزاعات الشغل الفردية (الفصل 41،[13] 73، 76 و532) وبعض الفصول الواردة في قانون المسطرة المدنية،[14] (الفصول 277 – 279)، وجعل منه وسيلة أساسية من وسائل حل نزاعات الشغل الجماعية (الفصول من 549 إلى 566 من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل).

ولموضوع المصالحة أهمية سواء على المستوى العملي أو النظري:

- من الناحية العملية، فهو يشكل وسيلة فعالة في تفادي توقف المؤسسات الاقتصادية عن مزاولة نشاطها وربح 
الوقت وتفادي كثرة المصاريف.

- أما على المستوى النظري، فهذا الموضوع نظراً لحساسيته سواء من الناحية القانونية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فهو يحتاج إلى مزيد من الدراسة النظرية وإغناءه بالاجتهادات القضائية.

إذن كيف نظم المشرع المغربي الصلح الإداري والقضائي لتسوية نزاعات الشغل الفردية؟ وكيف نظم المشرع المغربي المصالحة لدى الهيئات المكلفة به في نزاعات الشغل الجماعية؟ 

بناء على ما سبق، نقترح أن نتناول هذا الموضوع في فرعين:

- الفرع الأول: الصلح الإداري والقضائي في نزاعات الشغل الفردية؛

- الفرع الثاني: المصالحة لدى الهيئات المكلفة بها في نزاعات الشغل الجماعية (مفتشية الشغل، اللجنة الإقليمية واللجنة الوطنية للبحث والمصالحة).  

ومن أجل دراسة هذا الموضوع والوقوف على مختلف الإشكالات التي يثيرها، ارتأينا اتباع منهج تحليلي ومقارن:

- تحليلي لنصوص القانون المغربي الخاصة بالصلح والمصالحة، ومقارن بين كل من التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية والأجنبية في هذا المجال.

الفرع الأول: الصلح الإداري والقضائي في نزاعات الشغل الفردية

لقد أخذ المشرع المغربي بالصلح كوسيلة لحل النزاعات حفاظا على الوئام والمحبة والتآخي بين الأفراد وتشجيعها للحوار والسلم الاجتماعي، ومن هذا المنطلق ظهر موضوع الصلح في نزاعات الشغل الذي يعتبر من خصوصيات التي تتميز بها الدعوى الاجتماعية، حيث نص الفصل 277 من قانون المسطرة المدنية على أنه "يُحاول القاضي في بداية الجلسة التصالح بين الأطراف."، بمعنى أنه يجب على القاضي أو المحكمة انطلاقا من نفس الفصل وهي تنظر في المادة الاجتماعية أن تجري محاولة الصلح بين طرفي الدعوى قبل إصدار الحكم.

ويتخذ الصلح المدني في نزاعات الشغل الفردية إحدى صورتين: "الصلح المدني المبرم في وثيقة رسمية" ويتم غالبا أمام الموثقين لما يخوله من مزايا أهمها ما يتمتع به المحرر الرسمي من قوة ثبوتية بحيث لا يطعن فيه إلا بالزور، وبالتالي فعقد الصلح المبرم بين الأجير والمشغل بكيفية رسمية يكتسي هذه الحجية في الإثبات، بالإضافة إلى أن الصلح المبرم بكيفية رسمية ينتج أثره تجاه الأجير ولو كان أميا عملا بالفصل 427 من ق.ل.ع؛[1] أو الصلح المدني المبرم في وثيقة عرفية مصادق على صحة إمضائها في الغالب والوثيقة العرفية يمكن الطعن فيها بالزور والإنكار عملا بمقتضيات الفصل 431 من ق.ل.ع.[2]ويكتسي موضوع الصلح في نزاعات الشغل أهمية بالغة خصوصا على المستوى الاقتصادي وذلك من خلال الآثار التي تخلفها نزاعات الشغل على استقرار علاقات الشغل، والحفاظ على مناصب الشغل، ومحاربة البطالة وانعكاسات ذلك على مستوى الوتيرة الاقتصادية،[3] كما تبرز أهمية الصلح في نزاعات الشغل على المستوى الاجتماعي، في الحفاظ على استقرار أوضاع الطبقة الشغيلة التي تشكل الفئة الغالبة في المجتمع، وبالتالي فإن استقرار أوضاعها وتحسين ظروف عملها سينعكس بالإيجاب على المجتمع ككل.

ومن هذا المنطلق يمكننا أن نطرح التساؤل التالي: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال المنظومة القانونية للصلح، الحفاظ على استقرار علاقات الشغل، وتكريس العدالة التصالحية في ضوء المستجدات التشريعية والعمل القضائي؟ 

هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين: نتدارس في المبحث الأول موقف التشريع والاجتهاد القضائي من الصلح المدني في نزاعات الشغل الفردية، على أن نخصص المبحث الثاني لدراسة الموقف القضائي من إعمال الصلح المدني في نزاعات الشغل الفردية.

المبحث الأول: موقف التشريع والاجتهاد القضائي من الصلح المدني في نزاعات الشغل الفردية

يثير تطبيق قواعد الصلح المدنية في نزاعات الشغل الفردية إشكالات عميقة مرتبطة أساسا بانعدام تكافؤ المراكز القانونية الاقتصادية والاجتماعية لطرفي العلاقة الشغلية، إشكالات عكستها الآراء الفقهية والقضائية المتناقضة، إلا أن الأمر سوف لن يحسم بموجب مدونة الشغل عندما استبعدت تقنية الصلح المدني.

المطلب الأول: موقف التشريع من إعمال الصلح المدني في نزاعات الشغل الفردية

نص المشرع المغربي في الفصل 1098 من ق.ل.ع على أن: "الصلح عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو بإعطائه مالا معينا أو حقا." وتطبيقا لمبدأ سلطان الإرادة وفق ما هو منصوص عليه بموجب مقتضيات الفصل 230 من نفس القانون: "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون."،[4] يتبين أن للأطراف الحرية الكاملة في إبرام أي عقد من العقود، ومن بينها عقد الصلح لوضع حد للنزاع القائم بينهما أو المحتمل الوقوع، ونتيجة لذلك ليس هناك ما يمنع كلا من الأجير والمشغل من الأخذ بالصلح المدني باعتباره عقدا من العقود المسماة. [5]



[1] - ينص هذا الفصل على أن " المحررات المتضمنة لالتزامات أشخاص أميين لا تكون لها قيمة إلا إذا تلقاها موثقون أو موظفون عموميون مأذون لهم بذلك."

[2] - ينص هذا الفصل على أنه " يجب على من لا يريد الاعتراف بالورقة العرفية التي يحتج بها عليه، أن ينكر صراحة خطه أو توقيعه، فإن لم يفعل، اعتبرت الورقة معترفا بها.

ويسوغ للورثة وللخلفاء أن يقتصروا على التصريح بأنهم لا يعرفون خط أو توقيع من تلقوا الحق منه."

[3] - وقد عرفت نسبة البطالة في سوق العمل المغربية ارتفاعا من 9.2 بالمائة بنهاية 2019 إلى 11.9 بالمائة من إجمالي القوى العاملة خلال العام 2020، وعزت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء) في تقرير صادر عنها يوم الأربعاء 2 فبراير 2021، الارتفاع إلى تأثر الاقتصاد المغربي بتفشي جائحة كورونا، والجفاف الذي أثر على قطاع الزراعة.

وأغلق المغرب غالبية مرافقه الحيوية منذ مارس/ آذار الماضي 2020، لمنع تفشي جائحة كورونا، في وقت لم يكن فيه موسم الأمطار في حال جيدة لتعزيز القطاع الزراعي في البلاد، وقالت المندوبية، إن عدد العاطلين عن العمل في السوق المحلية ارتفع بمقدار 322 ألف فرد خلال 2020، مقارنة مع 2019، إلى 1.429 مليون فرد، ارتفاعا من 1.107 مليون خلال 2019.

وبلغت نسبة بطالة الإناث 16.2 بالمئة، في حين بلغت نسبة الذكور العاطلين عن العمل 10.7 بالمئة؛ وبقيت نسبة البطالة أكثر انتشارا في صفوف حاملي الشهادات الجامعية، بـ 18.5 بالمئة.

وسجل معدل البطالة 15.8 بالمئة بالوسط الحضري، مقابل 5.9 بالمئة بالوسط القروي (الأرياف).

المندوبية أشارت كذلك، إلى إن قطاع الفلاحة (الزراعة)، فقد 273 ألف فرصة عمل، والبناء والأشغال العمومية فقد 9 آلاف وظيفة، في حين خلق قطاع الصناعة 37 ألف فرصة عمل جديدة، وقطاع الخدمات 107 ألف.

- خالد مجدوب: المغرب... البطالة تصعد إلى 11.9 بالمئة خلال 2020 بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا والجفاف؛ مقال منشور على الموقع الإلكتروني:

https://www.aa.com.tr

[4] - للمزيد من التوضيح - محمد شيلح: سلطان الإرادة في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي أسسه ومظاهره في نظرية العقد؛ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية 1982-1983. 

[5] - أوزيان محمد: ” مسطرة الصلح في نزاعات الشغل الفردية على ضوء مدونة الشغل المغربية الجديدة، بين ضرورات الإبقاء على السلم الاجتماعي وحتميات التنمية الاقتصادية”، مجلة القصر، العدد 17، ماي 2007، ص107 وما يليها.



[1] - مداخلة ملقاة في اليوم الدراسي حول: "الصلح آلية بديلة لفض منازعات الشغل" المنظم من طرف جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس ومختبر: القانون، الفلسفة والمجتمع ومركز سايس لحماية الأسرة والطفولة بالمغرب يوم 26 فبراير 2021 بقاعة الندوات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس.

[2] - عبد اللطيف خالفي: الوسيط في علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، الطبعة 1 2011 ص 13؛

- عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل (الجزء الأول: علاقات الشغل الفردية)، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، الطبعة الأولى 2004 ص 23 منشور على الموقع الإلكتروني:

https://www.coursdroitarab.com/2020/03/alwasit-fi-modawanat-choghl-abdellatif-khalfi-pdf.html

[3] - ويتميز الخلاف الفردي عن الخلاف الجماعي من حيث إن الأول يثور بين أجير أو عامل واحد ومؤاجره أو مشغله بشأن تنفيذ عقد الشغل، ويكون البت في هذا النزاع من اختصاص القسم الاجتماعي بالمحاكم الابتدائية (الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية الصادر في 28 شتنبر 1974) بينما الثاني يقوم بين مجموعة من الأجراء أو العمال من جهة أو بين نقابة تمثلهم، وبين مؤاجر أو مشغل واحد أو عدة مشغلين أو مؤاجرين أو منظمة مهنية تمثلهم من جهة أخرى متى تعلق هذا الخلاف بمصلحة جماعية حيث كان يرجع أمر تسوية مثل هذه الخلافات للهيآت ووفق المسطرة التي ينظمها ظهير 19 يناير 1946 والمنسوخ بمقتضى الفصل 586 من مدونة الشغل التي عوضتـها في الكتاب السادس منها (الفصول 549 – 585 منها). 

[4] - تنص الفقرة الأولى من الفصل السادس من الظهير الشريف رقم 1.03.194 الصادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل المنشور بالجريدة الرسمية (النشرة العامة) عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 (8 ديسمبر 2003)، ص 3969 على أنه: "يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين، لقاء أجر، أيا كان نوعه، وطريقة أدائه."

[5] - تنص الفقرة الثانية من الفصل السادس من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل على أنه " يعد مشغلا كل شخص طبيعي أو اعتباري، خاصا كان أو عاما، يستأجر خدمات شخص ذاتي واحد أو أكثر."

[6] - ينص الفصل السابع من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونـــة الشغل على أنه " يعد الأجراء المشار إليهــــم في الفقرتين الأولى والثانية من المادة الثانية في حكم مديري ورؤساء مؤسسة، تقع عليهم مسؤولية تطبيق أحكام الكتاب الثاني من هذا القانون، إذا كانوا هم الذين يحددون نيابة عن مشغليهم، شروط شغل الأجراء، المقررة في الكتاب الثاني.

كما يكون هؤلاء الأجراء مسؤولين، نيابة عن رئيس المقاولة التي تعاقدوا معها، عن تطبيق جميع أحكام هذا القانون، فيما يتعلق بالأجراء الذين جعلوا تحت إمرتهم، إذا كان يرجع إليهم وحدهم أمر تشغيلهم وتحديد شروط شغلهم، وفصلهم." 

[7] - الظهير الشريف رقم 1.03.194 الصادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 (8 ديسمبر 2003)، ص 3969.

[8] - ينص الفصل 396 من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل على أنه " تهدف النقابات المهنية، بالإضافة إلى ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور، إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها، وإلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها. كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. وتستشار في جميع الخلافات، والقضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها." وينص الفصل الثالث من دستور 1996 التي أصبحت تقابلها المقتضيات الواردة في الفصل 8 من دستور 2011 على أنه " تساهم المنظمات النقابية للأجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها. ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. يجب أن تكون هياكل هذه المنظمات وتسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية.

تعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية، وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، وفق الشروط التي ينص عليها القانون. يحدد القانون، بصفة خاصة، القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها."

[9] - وقد أطلق عليها الفقه تسميات متعددة، بحيث أصبحت تفوق ثمانين اسما، فاعتبره البعض بأنها قضاء غير رسمي Justice informelle، وأطلق عليها البعض مصطلح: قضاء اتفاقي Justice convenue، وهناك من سماها: قضاء ودي Justice amiable، وفي اللغة الفرنسية تعرف بـ: Modes alternatifs de règlement des conflits، ويطلق عليها اختصارا: MARC، وتعرف أيضا في كندا بـ: Solutions de recharge au règlement des litiges، واختصارا: SOORREL، ويلاحظ أن كل هذه التسميات تدور حول فكرة واحدة هي: البديل أو الخيار Alternative عن النظام القضائي الكلاسيكي، واللجوء إلى الطرق الودية التي يختارها المتنازعون من أجل إيجاد حل لنزاعاتهم بعيدا عن القضاء الكلاسيكي وذلك كسبا للوقت والمال وسعيا لديمومة روابطهم، وحل نزاعاتهم بشكل غير معلن.

وتظهر التسوية الودية بين الأطراف المتخاصمة في محاولة الاتفاق حول المسائل التي كانت مصدرا للخلاف، وقد ظهرت عدة آليات ووسائل منها الصلح، الوساطة والتحكيم.

يراجع:

- يحي سليمان: التسوية الودية لنزاعات الشغل الفردية؛ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة السنة الجامعيى 2006-2007 ص 1 وما بعدها. 

[10] - حيث تعرض له المشرع المغربي في الفصول من 1098 إلى 1116 من قانون الالتزامات والعقود.

والصلح لغة: هو "إنهاء الخصومة، فنقول: صالحه، صلاحا: إذا صالحه وصافاه، ونقول: صالحه على الشيء: أي سلك معه مسلك المسالمة في الاتفاق، وصلُح الشيء: إذا زال عنه الفساد، وقال الجرجاني: الصلح في اللغة: اسم من المصالحة، وهي المسالمة بعد المنازعة، وفي الشريعة: عقد يرفع النزاع.

وقد عرفت المادة 549 من القانون المدني المصري الصلح بأنه "عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه".

ويخلص من هذا النص أن للصلح مقومات ثلاثة هي:

1-                  نزاع قائم أو محتمل؛

2-                  نية حسم النزاع؛

3-                  نزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه.

- عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني (الجزء 5: العقود التي تقع على الملكية، المجلد 2: الهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح)، دار إحياء التراث العربي، بيروت بلبنان، ص 507 وما بعدها؛ منشور على الموقع الإلكتروني:

http://www.mediafire.com

ويرى بعض الفقه العربي أن الصلح والمصالحة مصطلحان يختلفان في المعنى والمضمون لأن الصلح يُطلق عليه باللغة الفرنسية: Transaction، أما المصالحة فيُطلق عليها: Conciliation، فالصلح هو "اتفاق ثنائي يبرم عقدا ينهي النزاع أو يتنازل كل طرف على جزء من حقوقه أو ادعاءاته"، أما المصالحة فإنها "تتم بواسطة شخص ثالث يقرب وجهات نظر الطرفين، لتتنازل عن الادعاءات أو القرار المتخذ ضد العامل."

تراجع:-معاشو نبالي فطة: إلزامية المصالحة في النزاعات الفردية؛ مقال بالمجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية المجلد 11 العدد الأول الهامش رقم 1  ص 24، منشور على الموقع الإلكتروني:

https://www.asjp.cerist.dz/en/article/22074

[11] - وردت في النص الفرنسي عبارة "préviennent" "يتوقعان" بدل "يتوقيان" كما جاء في الترجمة العربية.

[12] - قارن مع الفقرة الثانية من المادة 73 من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل التي تنص على أنه: "يعتبر باطلا كل إبراء أو صلح، طبقا للفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود، يتنازل فيه الأجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه."؛ وكذا الفقرة الثانية من المادة 76 من نفس القانون التي تنص على أنه: "يُعتبر الإبراء أو الصلح، طبقا للفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود، مجرد وثيقة بالمبالغ المبينة فيها."

[13] - ومن مستجدات مدونة الشغل تقنين مسطرة الصلح التمهيدي بموجب المادة 41 منها مدعمة بمقتضيات المادة 532 منها من أجل حل نزاع الشغل الفردي الناتج عن الفصل التعسفي للأجير، فالصلح التمهيدي هو إجراء إداري يتم أمام مفتشية الشغل وقبل عرض النزاع على القضاء، يستهدف التسوية الودية لنزاعات الشغل الفردية الناشئة بين الأجير والمشغل، وتتميز هذه الآلية بالخصائص التالية:

- مسطرة إدارية: تتم أمام مفتشية الشغل التي لا تعدو أن تكون إحدى المصالح الخارجية التابعة لوزارة التشغيل والتكوين المهني؛

- مسطرة غير قضائية: حيث تتميز مسطرة الصلح التمهيدي عن المسطرة القضائية المجراة بمثل هذه المناسبة، بأنها تتم قبل عرض النزاع على أنظار القضاء، أي أنها مسطرة قبل قضائية، وإن كانت أيضا مسطرة شيه قضائية ما دامت تستهدف تسوية ودية للنزاع من قبل العون المكلف بتفتيش الشغل، وذلك على شاكلة الصلح القضائي الذي يتم أمام القضاء.

- مسطرة اختيارية: حيث يبقى للأـجير المفصول من الشغل اللجوء مباشرة إلى المحكمة لرفع دعوى تتعلق بالفصل التعسفي، فالمشرع يعطي الخيار للأجير المفصول بطريقة تعسفية، إما اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي لطلب الحصول على تعويض أو الرجوع إلى عمله، وإما اللجوء مباشرة إلى تحريك المسطرة القضائية أمام المحكمة المختصة.

- مسطرة مخولة لطرفي علاقة الشغل (الأجير والمؤاجر)، وإن كانت مخصصة مبدئيا لمصلحة الأجير الذي يعتبر نفسه قد فصل فصلا تعسفيا من الشغل، إلا أنه يمكن للمشغل اللجوء إليها أيضا عندما يريد فصل الأجراء لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها أو لأسباب اقتصادية حيث تنص الفقرة الأخيرة من المادة 70 من مدونة الشغل على أنه " يجوز للمشغل والأجراء اللجوء إلى الصلح التمهيدي طبقا للمادة 41 أعلاه أو اللجوء إلى المحكمة للبت في النزاع." 

يراجع:

- نضال مصطفى محمد غيث: التسوية الودية لنزاعات الشغل الفردية عن طريق الصلح التمهيدي - دراسة في ضوء التشريع الاجتماعي المغربي؛ مقال بالمجلة الأكاديمية للأبحاث والنشر العلمي، الإصدار 18 بتاريخ 05/10/2020 ص 265 وما بعدها، منشور على الموقع الإلكتروني:

https://www.ajrsp.com

[14] - الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974)  بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741.



من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد التاسع -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث