دعوى تعويـض المتضرر من قاعدة التطهير - عبد العالي عزيزي

 

دعوى تعويـض المتضرر من قاعدة التطهير

Compensation suit for the aggrieved party

 عبد العالي عزيزي/ طالب في سلك الماستر- القانون المدني الاقتصادي - كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –السويسي- بجامعة محمد الخامس بالرباط



Abd-Ali AZIZI

 

قد افتتح المشرع المغربي تنظيمه لظهير التحفيظ العقاري الصادر في 12 غشت 1913 المعدل والمتمم بقانون 07.14[1] بقاعدة في غاية الأهمية مفادها أن هدف هذا القانون هو جعل العقار خاضعا للنظام التحفيظ بعد اجراء مسطرة معينة.

تتميز مسطرة التحفيظ كما هو معلوم بأثرها التطهيري الذي يقضي بأن متى تم تأسيس رسم عقاري فإنه يخلص العقار من جميع الحقوق التي لم يتم الإدلاء بها عن طريق التعرض  خلال جريان مسطرة التحفيظ و بموجبه تتم قطع كل صلة للعقار المحفظ بماضيه كما أنه لا يقتصر على حق الملكية فقط ، بل ينصب أيضا على مختلف الحقوق العينية و التكاليف العقارية المثبتة بالتحفيظ [2] . 

وهذا الأثر التطهيري يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى العلمي أو العملي إذ تتجلى أهميته العملية ، في كونه لقي اهتمام واسع و كبير من طرف المؤسسة الملكية و ذلك ملاحظ من خلال مجموعة من الخطابات ، إذ جاء في خطاب للملك الراحل الحسن الثاني سنة 1995 ما يلي : 

"لا يمكن للمغرب أن يفتح أبوابه للمال الأجنبي إلا إذا كان هذا المال في مأمن من الشطط و سوء الفهم " هذا ما ندد به الملك محمد السادس ، و ذلك من خلال حرصه على تأطير الملكية العقارية بنصوص قانونية و متينة ، أما بالنسبة إلى أهميته العلمية ، فهو يعتبر صلة وصل مع الاجتهاد القضائي و كذلك يمنح العقار الثبات و الاستقرار ، من أهم خصائصه أيضا كونه رضائي و ذلك يمكن استنتاجه من خلال قراءة المادتين 1 و 6 من ظهير الحفيظ العقاري ، بأن التحفيظ بصفة عامة هو أمر اختياري و ليس إجباري ، و منه فإن من يسلك  هذه المسطرة فهو ضمنيا يعبر عن رضاه بتبنيه قاعدة التطهير.  

و ان كانت قاعدة التطهير تقوم بحماية المتمتع بالحقوق المحفظة فإنها في نفس الوقت قد  تؤدي الى الاضرار ببعض الأشخاص .و تتجلى أهمية موضوعنا في بيان أهم المسالك التي يستطيع بواسطتها المتضرر من هذه القاعدة-التطهير-اللجوء الى حقه في التعويض على اعتبار أن امكانية رجوع العقار اليه غير متاحة و عليه تبرز لدينا اشكالية في تحديد الطريق الصحيح من أجل الحصول عن التعويض في اطار هذه الاجراءات المتشعبة و به نعرض اشكالنا الى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع اجراءات واضحة للولوج الى الحق في التعويض ؟

 و نفترض قبل الدخول الى تحليل موضوعنا على أن المشرع خصص قواعد عامة - ظهير الالتزامات و العقود- و أخرى خاصة - ظهير التحفيظ العقاري- يستطيع بواسطتها المتضرر الاستناد الى احداها أو الى كلا المسطرتين في اطار تكامل النصوص فيما بينها من أجل الوصول الى التعويض.

و عليه سوف نتطرق الى أهم الدعاوى التي يمكن أن يسلكها المتضرر من قاعدة التطهير العقار و كما تم بيانه فإن هذه القاعدة من أهم القواعد التي تحقق الاستقرار و الثبات و تسعى الى  الحفاظ على  المعاملات العقارية ولكن من جهة أخرى لها سلبيات عديدة و من أهمها التهديد الذي قد توقعه على الأمن العقاري في بعض الحالات التي يتم فيها تأسيس الرسم العقاري بناء على تدليس و في حالات أخرى قد يرتكب المحافظ العقاري بعض الهفوات في مهامه مما يؤدي الى تحريك مسؤوليته الشخصية في تعويض (الفقرة الأولى) ، و قد يلجأ المتضرر من قاعدة التطهير الى رفع  طلبه الى القضاء من أجل  رد ثمن  العقار كوجه من أوجه التعويض أو رفع دعوى الإثراء بلا سبب(الفقرة الثانية).

و بناء على ما سبق سوف نعتمد  في موضوعنا هذا التصميم التالي :

الفقرة الأولى :دعوى التدليس

الفقرة الثانية: دعوى الاثراء و دعوى الرد

 

الفقرة الأولى: دعوى  المطالبة بالتعويض بناء على التدليس

و كما هو معلوم؛ فإن التدليس يعد عيبا من عيوب التي تمس الإرادة  في مرحلة التعاقد و ذلك بفعل احد المتعاقدين أو من يعمل لحسابه مما يولد غلطا في نفس المتعاقد و به يختلف عن الغش الذي يكون أثناء عملية التعاقدية[3] .

أما فيما يتعلق بخصوصية التدليس في التحفيظ العقاري "هو كل عمل ترتب عنه ضياع الحق من جراء التحفيظ مما يعطي الحق للمتضرر في طلب التعويضات عما لحقه من أضرار مادية على الخصوص ،أو معنوية إذا ثبت أن لها وجها مقبولا قانونا"[4] ، و عليه فإن مسألة إثبات التدليس مسألة أكثر بساطة مما هو عليه اثبات الغلط إذا وقع في اطار التحفيظ لأنه أمر نفسي ، و على اعتبار أن التدليس  واقعة مادية تخضع لقاعدة حرية الاثبات فإن المشرع مكن المدلس عليه بأن يثبت عناصر التدليس - أعمال احتيالية  أو تواطئ الغير أو علم المستفيد- بكافة وسائل الاثبات المتاحة-الفصل 404 من ق ل ع – و تستأثر محكمة الموضوع بتقديرها ، و لا رقابة لمحكمة النقض عليها الا فيما يتعلق بالتعليل  و حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي "لكن ، ردا على السبب أعلاه فإن دعوى النازلة انما تتعلق بطلب التعويض المترتب عن آثار التحفيظ و التي تطبق بشأنها و بالأساس القواعد المنصوص عليها في قانون التحفيظ العقاري (الفصل 64) .

و لذلك و لما للمحكمة من سلطة في تقييم الأدلة و استخلاص قضائها منها فإنها حين عللت قضاءها بأن الفصل 64 أعطى للمتضرر من التحفيظ الحق في مطالبة المدلس بالتعويض و أن عبء إثبات التدليس يقع على المدعي و أن المدعي في النازلة لم يبين التدليس الممارس من طرف المدعى عليه خلال عملية التحفيظ التي انتهت بإقامة الرسم العقاري و أن اعمال هذا الأخير لممارسة التعرض على عملية التحفيظ يجعله مفرطا"[5].

و قد مكن ظهير التحفيظ العقاري لسنة 1913 المعدل و المتمم بقانون رقم 14.07 من ممارسة دعوى شخصية ضد المدلس حيث جاء في الفصل 64 من ذات الظهير " لا يمكن اقامة أي دعوى في العقار بسبب الحق الواقع الاضرار به من جراء التحفيظ.

يمكن للمتضررين في حالة التدليس فقط أن يقيم على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء التعويضات..."

و يلاحظ من خلال الفصل المذكور أنه يمنع المشرع منعا كليا على المتضرر اعادة عقاره الى ما كان عليه أو اقامة أي دعوى من خلالها يطالب المحكمة بالإرجاع العقار لأنه أصبح مطهرا ، بل و يظهر بشكل جلي على أنه في الفقرة الأولى من ذات المادة لم تمنح المتضرر من اقامة أي دعوى الا إذا كانت تدليسا و هي دعوى كما وصفها المشرع -بالدعوى الشخصية- و ما يأكد قولنا هذا قرار المجلس الأعلى رقم 141 بتاريخ 17 يونيو 1978 حيث جاء فيه "لا يمكن أن تقام دعوى عينية عقارية بالمخارجة إذا كانت قائمة وقت عملية التحفيظ و لم يقع بها التعرض ، و انما يمكن أن تقام بها دعوى التعويض إذا أثبت التدليس في عملية التحفيظ"[6].

أما ما يخص الفقرة الثانية من ذات المادة جاءت مبهمة من حيث مفهوم مرتكب التدليس و هنا يمكن طرح التساؤل التالي وهو هل مرتكب التدليس هنا من قام بعملية التحفيظ بمعنى آخر هل هو الجهاز الاداري للمحافظة العقارية(المحافظ) أم شخص آخر-كالمستفيد من التحفيظ- مثلا ؟

 و من أجل الجواب عن هذا السؤال ننظر الى شروط التدليس و الى خصوصياته في مادة العقارية:

أولا: أن يكون التدليس بنية تضليل المدلس عليه؛ و هذا ما يمكن اتيانه من خلال النظر الى أعمال التغرير المادية او الكذب مما ينبأ على نية تضليل مبيته و ذلك من خلال اثبات أمرين :

أن من التزم التكتم كان مطلعا على المعلومات التي تستر عليها ؛

أن يكون هذا الأخير على بينة من أهمية هذه المعلومات بالنسبة للطرف الآخر؛

 و في هذه الحالة يمكننا القول أن لفظ "مرتكب التدليس" يقصد به هنا المحافظ العقاري مادام أن هذا الأخير هو الذي يكون مطلعا على جميع المعلومات التي تهم العقار المراد تحفيظه و به ذهب المجلس الأعلى في قرار له رقم 40 بتاريخ 05 يناير 2005  في دعوى موجه ضد المحافظ العقاري على أنه المسؤول عن الضرر الحاصل للطرف الطاعن في إطار الفصل 64 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ [7] و في هذه الحالة قد يتم تحريك دعوى شخصية ضد المحافظ العقاري و اتخاد ضده الاجراءات القانونية اللازمة على اعتبار انه مصدر الثقة في هذه المعاملات العقارية .

و لكن ما فتأ أن ذهب قضاء الموضوع الى منهج آخر يفسر من خلاله عباره مرتكب التدليس بالشخص الذي استفاد من هذه العملية و على اعتبار أن المحافظ العقاري لا يسأل بذلك الا إذا أخل بمقتضيات منصبه و باعتبار كذلك أن من الشروط الأساسية للتدليس هي أن يكن المدلس قد استفاد من هذا الوهم الذي يتصور الآخر و هذا ما هو مبين بصفة ضمنية من خلال الفصل 52 من ق ل ع في فقرته الأخيرة حيث جاء فيه "و يكون التدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم اذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به" و جاء في حكم الابتدائي الصادر عن محكمة طنجة على "أن المدعى عليهم استحوذوا على قطعة أرضية و أقاموا لها رسما عقاريا و أن واقعة التدليس ناتجة عن عملية التحفيظ حيث بادر طلاب التحفيظ الى التصريح بالبيع و إيداعه بالمحافظة العقارية و هم على علم بذلك فإن تكتمهم يوجب التعويض"[8]

ثانيا: أن يكون  التدليس صادرا من الغير أو بعلمه[9]؛ و الأصل به هو عدم النيل من صحة التصرف ، حيث ينحصر أثره في تخويل الحق في مطالبة الغير الذي اقترف التدليس بتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة لهذا التدليس عملا بأحكام المسؤولية التقصيرية، و هذا ما كان معمولا به قبل تعديل الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري بحيث يمكن للمتضرر أن يسائل المحافظ العقاري عن أخطائه المصلحية أو المرفقية و ذلك برفع دعوى ضد الدولة بناء على كل من الفصلين 79 و 80 من ق ل ع في حين اليوم بعد التعديل الواقع بمقتضى الفصل 14.07 قد تم حذف الفقرة الأخيرة من الفصل 64 من ظهير التحفيظ العقاري القاضية بإدخال الدولة في دعوى التعويض جراء قرار التحفيظ الذي أضر بمصالح الغير . و تم الاحتفاظ بمسؤولية الدولة عن أخطاء موظفيها بناء على الفصل 97 من ظهير التحفيظ العقاري الذي جاء بأن المحافظ على الأملاك العقارية مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن :

1-اغفال التضمين بسجلاته لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب طلب منه بصفة قانونية؛

2- اغفال التضمين بالشهادات أو النظائر الرسوم العقارية المسلمة و الموقعة من طرفه لكل تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي أو تشطيب مضمن بالرسم العقاري؛

3-فساد أو بطلان ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان تقييد احتياطي أو تشطيب ما عدا الاستثناءات المذكورة في الفصل 73.

و الكل مع مراعاة مقتضيات الفصليين 79 و 80 من ق ل ع .



[1] الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق لأغسطس 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري ، كما وقع تعديله و تتميمه بالقانون 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 ذي الحجة 1432 الموافق ل 22 نوفمبر 2011 ، الجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 الموافق ل24 نوفمبر 2011 ، ص 5575.

[2]    عبد الرزاق اصبيحي ، في محاضرات القانون العقاري و الحقوق العينية ، المحاضرة الأولى  الملقاة على طلبة السداسي الخامس ص 8 ؛ 2017/2018 .

-بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية –السويسي- جامعة محمد الخامس بالرباط

[3]  و به يكون:

*الغش خلال مرحلة التنفيذ

*أو غش يكون داخل دائرة التعاقد كالغش في البضائع

راجع في ذلك :

- عبد الحق الصافي ؛الجزء الأول المصدر الارادية للالتزامات ؛الكتاب الأول تكوين العقد؛ الطبعة الأولى 2006؛ المطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 331 و 332

[4] عبدالعالي محمد العبودي نظام التحفيظ العقاري و إشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية – الطبعة الأولى – المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 2003.ذكره الأستاذ ادريس الفاخوري في الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب دراسة لنظام التحفيظ العقاري و الفقه الاداري و العمل القضائي طبعة 2018 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء  ص188.

[5] قرار محكمة النقض عدد 3353 المؤرخ في 2006-11-08 ملف المدني عدد 2006-1-1-1182 غير منشور

[6] منشور في مجلة قضاء مجلس الأعلى عدد 41 نونبر 1981 ذكره ادريس الفاخوري ، مرجع سابق.

[7] أورده محمد لفروجي في المنازعات العقارية من خلال قضاء المجلس الأعلى لسنوات 2000-2005 سلسلة دلائل عملية عدد 3 ، ص 93

[8] أشار اليه ادريس الفاخوري في مرجع سابق ص 191

[9] و قد جاء في الفصل 52 من ق ل ع " و يكون التدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم"


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الثامن - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث