ضمانات حماية المال العام وتطبيقاته دراسة في مجال الرقابة على مالية قطاع التربية الوطنية من خلال عمل المفتشية العامة للشؤون الإدارية - مصطفى الخطابي - عسو عبادي

 

ضمانات حماية المال العام وتطبيقاته

دراسة في مجال الرقابة على مالية قطاع التربية الوطنية من خلال عمل المفتشية العامة للشؤون الإدارية

Guarantees to protect public money and its applications

A study in the field of financial control over the national education sector through the work of the General Inspectorate for Administrative Affairs

 

 مصطفى الخطابي / باحث في العلوم القانونية

مفتش المصالح المادية والمالية بقطاع التربية والتكوين

Mustafa AL-KHATTABI

عسو عبادي / باحث في تدبير الموارد البشرية

مفتش المصالح المادية والمالية بقطاع التربية والتكوين

Asou ABADY




مقدمـــة

تكتسي منظومة حماية المال العام ببلادنا أهمية خاصة ولا تقل أهمية عن منظومة تنمية الأموال العامة وطرق استثمارها، بحيث تم تكريس آليات رقابة فعالة سابقة ولاحقة للإنفاق العام، بهدف حماية المال العام من كل أشكال التجاوز والانحراف والتبديد والهدر.

ويعد قطاع التربية الوطنية أحــــد القطاعات التي لها مكانة في الساحـــة الاقتصادية والاجتماعيـــة والتنموية ببلادنا، مما يحتم على الدولة تخصيص اعتمادات ضخمة على مستوى الميزانية العامة لفائدة هذا القطاع[1]، بغية النهوض به باعتباره عامل مهم في تكويـــن الرأس المال البشري وذلك عن طريق ما يوفره من معارف ومعلومات وما ينتجه من دوافع واتجاهات إيجابيــة يمكن أن تقود إلى زيادة اسهام الفرد في تطوير ذاته وكافة جوانب الحياة المختلفة وبشكل فعال بما يحقق تنميتها وتطويرها.

   إن الارتفاع المستمر والمتزايد للإنفاق على القطاع يجعل السلطات والحكومات تتدخل بقوة لمزيد من الرقابة على هذه الأموال بما يحقق لها من الحماية وتحصينا لها من كل التلاعبات وسوء التدبير وكل الجرائم المرتبطة بالأموال حتى تحقق الأهداف المرصودة لها.

   ولا اختلاف في أن الرقابة تعد مرحلة من مراحل تنفيذ الميزانية سواء الميزانية العامة أو الميزانية الفرعية المخصصة لقطاع التربية الوطنية، فبعد وضع الميزانية والمصادقة عليها يأتي دور هيئة الرقابة التي تتعدد أجهزتها وتتنوع تدخلاتها بهدف تقوية حماية المال العام وتحصينه من مظاهر التبذير أو سوء التسيير سواء على المستوى الوطني أو على المستوى القطاعي جهويا ومحليا.

    وفي هذا الصدد يمكن القول بأن الرقابة تكتسي أهمية خاصة على مستوى قطاع التربية الوطنية، فهي تشكل أحد المبادئ الأساسية للتدبير الإداري الحديث والفعال، و أهم مرتكز من مرتكزات الحكامة الجيدة، إذ تحتل أهمية كبيرة في العملية الإدارية وتعد من أهم ركائزها، وتعد مدخلا مهما من مداخل الإصلاح المنشود بهذا القطاع، إذ لا بد من تنظيم عملية الرقابة بشكل يجعل منها أداة فاعلة في تطوير وتوجيه النشاط الإداري بكياناته المختلفة، وإذا كان من المعلوم أن الغرض من وراء إنشاء قطاع التربية والتكوين هو تقديم الخدمات للمواطنين وتلبية حاجياتهم المتعلقة بالتعليم والتكوين، فإن دور الأجهزة الرقابية يأتي لضمان تقديم هذه الخدمات وإشباع الحاجيات بأسرع وقت، و أحسن جودة، و بأقل جهد وتكلفة ممكنة، وبالشكل المطلوب قانونا.

   وبالتالي فإن حماية المال العام على مستوى قطاع التربية الوطنية يعد رهانا أساسيا في سياق الحديث عن الإصلاحات الشاملة التي تشهدها منظومة التربية والتكوين وفي ظل اقرار رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030 وما تتضمنه من ترسيخ لأسس الحكامة والتدبير السليم، فبدون تفعيل الأليات الرقابية بمختلف أنواعها على المالية المخصصة لهذا القطاع وتعزيز دورها وتوسيع مهامها، لا يمكن الحديث عن اعتماد مبادئ الحكامة المالية.

ومع إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتحديد الاختصاصات المنوطة بها في مجال البنايات والتجهيزات المدرسية وتفعيل دورها في التدبير الجهوي لشؤون التربية والتكوين، شرعت هذه الأخيرة في تحمل مهمة تدبير كل ما يتعلق بالإنجازات الجديدة في مجال البناء أو التوسيع أو الترميم وذلك بدءا من مرحلة الدراسات التقنية، وتفويض الاعتمادات المالية وتفويت صلاحيات واسعة في تدبير الموارد البشرية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية، أدى إلى اعادة النظر في التطورات التي عرفها هذا المرفق العمومي والأفاق الممكنة لتدبيره بشكل اكثر فاعلية بما يضمن جودة عالية وتكلفة اقل، واخضاعه لمبدأ الشفافية والنزاهة والديمقراطية  وربط المسؤولية بالمحاسبة. لذلك فان تكييف قطاع التربية والتكوين لمتطلبات التنمية تقتضي معالجة الاختلالات البنيوية والوظيفية التي تعاني منها، و اخضاع سيرها وعمليات التدبير التي تقوم بها لمجموعة من المبادئ والقيم المؤطرة  لنشاطها. ومن هنا تكمن أهمية دور الرقابة في تحديد مدى نجاعة المرفق وتقويم الاختلالات التي قد تعصف به.

وتجدر الإشارة أن المفتشية العامة للشؤون الإدارية ترتبط ارتباطا مباشرا بالوزارة  ومصالحها الخارجية، وتقوم بممارسة المراقبة الداخلية من خلال توليها مهمة القيام بالمراقبة والتفتيش الداخلي للمصالح والمرافق التابعة لها وكذا الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية ومراكز التكوين التابعة لها، بحيث يندرج عملها في إطار ممارسة مهمة التدقيق الداخلي تسعى من ورائها تقييم عمل مصالح الوزارة والاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وتبعا لذلك، تساهم المفتشية العامة للشؤون الإدارية في تطوير العمل الإداري لتحسين خدماته وتحديث التدبير العمومي الإداري والمالي.  وتبعا لذلك، تناط بالمفتشية العامة للشؤون الإدارية بقطاع التربية الوطنية مهام تفتيش ومراقبة وتدقيق وتقييم تدبري المصالح المركزية والاممركزة للوزارة التابعة لها والاكاديميات الجهوية في المجالات الإدارية والمالية والمادية إضافة إلى كل ما يتعلق بالموارد البشرية والنظر في المنازعات والتظلمات داخل القطاع.

    وفي هذا الاتجاه يبرز الوزن المهم للمفتشية العامة للشؤون الإدارية على صعيد قطاع التربية الوطنية كأداة رقابية مقابل الدور المحدود لعملها نظرا للإكراهات الكثيرة التي تعاني منها.

   في محاولتنا لمقاربة هذا الموضوع، سنتطرق بالدراسة للتدخلات الرقابية التي تمارسها المفتشية العامة للشؤون الادارية (مطلب أول)، ثم سنخصص جزءا من اهتمامنا في هذا المطلب لاستعراض عمل المفتشية العامة للشؤون الإدارية بقطاع التربية الوطنية من خلال الوثائق والمعطيات الاحصائية لعملها ومنجزاتها وتقييم عملها بناء على ذلك (مطلب ثاني)، بغية إبراز الدور الرقابي الذي تضطلع به لهذه بهذا القطاع، وكيف يمكن لها اذا ما تم تأهيلها أكثر وتطويرها، أن ترفع من نجاعة قطاع التربية الوطنية وتساعد على تخليقه من جهة، و لكونها آلية من آليات الحكامة الجيدة في مجال تدبير الشأن العام من جهة اخرى.

   وسننطلق من فرضية ان المفتشية العامة تلعب دورا محوريا في الرقابة الادارية على المال العام المخصص للقطاع، وأن ما يعيق عملها ولا يسمح لها بالمساهمة في الرفع من جودة قطاع التربية الوطنية بشكل أفضل، كونها قد استنفذت في مستواها الرقابي التقليدي، ولم تتمكن من الوصول الى مستوى التقييم والتحفيز، وسنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال مطلبين سنتناول فيهما الموضوع بالدارسة والتحليل.

المطلب الأول: التدخلات الرقابية من خلال عمل المفتشية العامة للشؤون الادارية.

لا يختلـــف اثنيــــن أن تدبيــــر قطاع التربية الوطنيـــة  يشكل تحــــديا حقيـــقيا للقائمين عليه، نظرا لدوره المحوري في عملية التنميــــة ببلادنا وكونه القناة الرئيسيــــة التي يتم من خلالها تصريـــف السياسات العامة المتعلقة بالتربية والتكوين، وقد عــــرف تدبير هذا القـــطاع بالمغرب تطورا ملحوظا أملته ظروف تطـــور البلد السياسية و الاقتصادية والاجتماعيـــة، على الرغم من ذلك لازالت أجهزة التدبيــــر به تعاني من بعض النواقص مما يحد من انجاح مسلسل تخليــــق الحياة العامة وارساء ركائز الحكامة الجيدة به، وفي هذا السياق شكل دستــــور2011 نقلة نوعيــــة من حيث كونه اطر المطالب السياسية وصاحب التطورات الاجتماعية و ارســــى بابا خاصا للحكامة الرشيدة، مما اضطر المهتميـــن بالشأن العام وبمجال التربية والتعليم والتكوين بشكـــل خاص، الى اعادة النظـــر في التطورات التي عرفتـــها منظومة التربيـــة والتكوين بالمغرب والافاق الممكــــنة لتدبيره بشكل اكثر فاعلية بما يضمن جودة عالية وتكلفة اقل، واخضاعه لمبدأ الشفافية و النزاهة والديمقراطية وربط المسؤولية بالمحاسبة.



[1] تم تخصيص ميزانية تجاوزت 64 مليار درهم برسم الميزانية العامة لسنة 2020، وبذلك بات يحتل قطاع التعليم المرتبة الأولى كأعلى ميزانية قطاعية بالمغرب.


من أجل تحميل هذا المقال كاملا إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد الثامن - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث