مساهمة القضاء الجنائي المغربي في حماية البيئة
Contribution of the Moroccan criminal
justice to the protection of the environment
علي قاسمي
Ali Qasimi
باحث في
القانون العام
لا شك أن
الإجرام البيئي أضحى من الموضوعات التي تفــــرض نفسها على الساحة الوطنية، بسبب
ما بلغته من مكانة متميزة في تحقيق التنمية المستدامة، ولذلك أفــــرد لها المشرع
المغربي عدة قوانين جزائية تروم تأطيرها وتوفير البنية التشريعية لحمايتها، وذلك من خـــلال قانون: 03-11 المتعلق بحماية واستصلاح
البيئة، وقانون رقم: 03-12 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة، وقانون رقم: 03-13
المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، وقانـــون رقم: 00-28 المتعلق بتدبير النفايات
والتخلص منها، بالإضافة إلى القانون الجنائي الذي جمع مجموعة من الفصول (من 600
الى 612) التي تعاقب على الجرائم الخاصة بالبيئة.
هذه
القوانين، وأخرى ستأتي في التحليل والمناقشة، تتضمن عقوبات زجرية تختلف من حيث
صنفها وسقفها حسب طبيعة الجريمة البيئية المقترفة، والقطاع البيئي المشمول
بالحماية، والتي تتمحور حول العقوبات والتدابير الوقائية العينية الآتي ذكرها:
-
العقوبات الحبسية؛
- الغرامات المالية؛
- مصادرة وسائل النقل والأدوات المحجوزة التي لها علاقة بالجريمة
البيئية، والأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها؛
- وجوب
الأمر القضائي، وعلى نفقة المخالف، بتنفيذ الأشغال اللازمة لتفادي أي إضرار
بالبيئة أو بالصحة العامة؛
- وجوب الحكم بهدم البناء والتجهيزات المنجزة من أجل إحداث
تجزئة أو مجموعة سكنية، المشيدة بدون رخصة، أو بتنفيذ الأشغال ليصير العقار مطابقا
للأنظمة المقررة، وذلك على نفقة مرتكب المخالفة؛
- إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، عند
الاقتضاء وحسب موضوع المخالفة البيئية؛
- تطبيق
العقوبة الأشد في حالة تعدد المخالفات البيئية، وضم العقوبات المالية سواء كانت
أصلية أو إضافية إلى العقوبات السالبة للحرية إلا إذا قرر الحكم خلاف ذلك بعبارة
صريحة، وذلك تبعا للجريمة البيئية المرتكبة.
لكن هذه
المقتضــــيات الردعية لا تكون فعالة إلا إذا تم تطبيقــــها بشكل سليم وجــــريء،
وهــــذه المسؤولية يتحملها القضاء من خلال جدية الأحكام التي ينطــــق بها
ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع.
أما إذا
ارتبطت الجرائم البيئية بمشاريع ومخططات تستهدف تدمير الثروة البيئية أو تلويث
المجال البيئي، قصد خلق فوضى عارمة يتم على إثرها المس بالنظام العام والأمن العمومي
وإشاعة الذعر والترهيب بين عموم المواطنين، فإن المشرع المغربي صنفها ضمن الجرائم
الإرهابية، ونص عليها في القانون رقم: 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب بالمغرب.
وانطلاقا
من القوانين السالفة الذكر حول الموضوع، يمكن طرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد استطاع القضاء الجنائي تنزيل هذه
المقتضيات القانونية للحد من التجاوزات المضرة بالبيئة؟
وما مدى
كفاية وفعالية التشريعات الجنائية الحالية في حماية البيئة والإحاطة بكل مكوناتها؟
وفي
محاولة للإحاطة بمختلف جوانب موضوع البحث، سنخصص (المبحث الأول) للمسؤولية
الجنائية عن الجريمة البيئية في القوانين المغربية، وسنعالج في (المبحث الثاني)
جهود القضاء الجنائي في حماية البيئة.