المحاكمة عن بعد بين الضرورة والقانون
Remote trial between necessity and the law
سعيد بوتشكوشت
BOUTCHIKOUCHTE Said
مقــــــــــــــــــــدمة:
خلال فترة الحجر الصحي[1] تم عقد أزيد من 61 ألف قضية عن بعد، استفاد منها 71836 معتقلا، كما ذكر بلاغ للمجلس الأعلى للسلطة القضائية[2] أنه خلال الفترة الممتدة بين 6 يوليوز 2020 إلى غاية العاشر منه تم عقد أزيد من 362 جلسة في إطار المحاكمة عن بعد، مع تسجيل 6450 قضية مدرجة بلغ عدد المعتقلين المستفيدين منها 7549[3].
والمحاكمة عن بعد هي استعمال الوسائل التقنية الحديثة لإجراء محاكمة قضائية بين أطراف لا يجمعهم حيز مكاني واحد، حيث تجرى المحاكمة من خلال تقنية الإتصال عن بعد[4]، وعرفت المادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 2017 الإماراتي[5] تقنية الإتصال عن بعد هي "محادثة مسموعة ومرئية بين طرفين أو أكثر بالتواصل المباشر مع بعضهم البعض عبر وسائل الإتصال الحديثة لتحقيق الحضور عن بعد".
وانطلق مشروع التقاضي عن بعد بالمغرب يوم 27 أبريل 2020 ليعوض المحاكمة العادية المنصوص عليها في القانون، والتي هي صميم الشرعية الجزائية لأنها تتم في حلبة الترسانة القانونية التي توفر لها الشروط لتتم في إطار المبادئ العليا لحقوق الإنسان، وهي أيضا حلقة الإرتباط بين الدولة والقانون من خلال الممارسة السليمة لهذا الأخير، حيث تنتهي الخصومة الجنائية بصدور الحكم أو القرار القضائي بعد محاكمة توفرت فيها كافة الضمانات، وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية نجده يتحدث عن استثناء واحد ووحيد لإستعمال الإتصال عن بعد في الإستماع إلى الشهود بموجب المادة 347-1، وهو الإستثناء الذي ربما تم القياس عليه لإستعمال المحاكمة عن بعد، نظرا للضرورة الحالة إثر تفشي وباء كورونا كوفيد 19، وما يستوجب تحقيق تسيير مرفق العدالة وتصريف القضايا الجنائية، لإرتباطها بحقوق وحريات الأفراد، ما يطرح إشكالية قيمة القانون في تسيير وتنظيم حياة الناس، وتنظيم المؤسسات الدستورية وكيفية سير المحاكمات عن بعد وتوفير شروط ومبادئ المحاكمة العادلة في ظل مبدأ الشرعية الجنائية، ودولة الحق والقانون.
ووعيا بخلق فرض لهذه الإشكاليات، فهل يمكن اعتبار الضرورة التي فرضتها جائحة كورونا كوفيد 19 تبيح المحظورات ومنها اللجوء إلى آلية قضائية لم ينظمها القانون، أو أن السند القانوني لها هو الإستثناء الوارد بقانون المسطرة الجنائية السالف، واعتبار هذا يكفي لتعويض تنزيل نص تشريعي ينظم اللجوء إلى المحاكمة عن بعد ويضمن البعد الحقوقي فيها؟، ذلكم ما سيكون موضوع تحليل هذه الدراسة في محورين، يشمل الأول منها الإطار القانوني للمحاكمة عن بعد، بينما يتمحور القسم الثاني حول الشرعية الجنائية في المحاكمة عن بعد.
[1] - فرضت حالة الطوارئ الصحية بالمغرب بموجب مرسوم بقانون رقم 292-20-2 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020)، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ج ر عدد 6867 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441(24 مارس 2020)، ص1782. والمرسوم بقانون رقم 293-20-2 صادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد19، ج ر عدد 6887 مكرر بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، ص1783.
[2] - صدر يوم الإثنين 13/07/2020.
[3] - جريدة الصباح ليوم الجمعة 17/07/2020، العدد 6272، الصفحة 9 العمود الأول.
[4] - هشام البلاوي- المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة- مجلة رئاسة النيابة العامة، يونيو 2020، العدد الأول، ص11.
[5] - هو القانون المتعلق باستخدام تقنية الإتصال عن بعد في الإجراءات الجزائية، لمزيد من المعلومات الإطلاع على الرابط الإلكتروني: www.world.go.Kr