إشكالية الدفع بعدم التنفيذ في مجال العقود الإدارية - المختار درابي

إشكالية الدفع بعدم التنفيذ في مجال العقود الإدارية

The problem of non-implementation in the field of administrative contracts

المختار درابي

ELMOUKHTAR Daraby

طالب باحث في سلك الدكتوراه



مقدمة:

يعد العقد الإداري احد أهم أساليب جهة الإدارة في ممارسة نشاطها، وذلك لضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد لإشباع الحاجات الجماعية للأفراد- شأنه سائر العقود- ينعقد بتوافق إرادتين تتجهان إلى إحداث اثر قانوني.  ولقد استقر القضاء الإداري على أن العقد الإداري هو كل اتفاق يبرم بين طرفين أحدهما أو كلاهما من أشخاص القانون العام. وأن يكون متصلا بنشاط مرفق عام من حيث سيره أو تنظيمه، وتظهر فيه نية تطبيق أحكام القانون العام، بما يحتوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص[1].

وفي ظل التحول الاقتصادي الذي شهده العالم، وخصوصا دول العالم الثالث، وما شاهدته هذه الأخيرة من إصلاح اقتصادي وتشجيع الاستثمار وخصخصة العديد من القطاعات الاقتصادية التي كانت حكرا على الدولة، والاتجاه نحو الاعتماد على اقتصاد السوق. الأمر الذي انعكس على مجال عقود البنية الأساسية الكبرى التي تبرمها هذه الدول مع الشركات الخاصة أو الأجنبية الكبرى لتنفيذ هذه المشروعات الضخمة.

ويثير تنفيذ العقود الإدارية لاسيما في ظل هذه التطورات الاقتصادية الحديثة مجموعة من الإشكاليات القانونية، تتجلى أساسا في ضرورة تكافئ الالتزامات بين أطرافها، ووجوب تنفيذ كل طرف لالتزاماته المتفق عليها، وفي المواعيد المحددة لها، خاصة من جانب جهة الإدارة، والتي تتمتع بسلطات واسعة لإجبار المتعاقد معها على تنفيذ التزاماته، عن طريق فرض غرامات تأخير عليه، وسحب الأعمال المتعاقد عليها وتنفيذها على حسابه، وفسخ العقد بإرادتها المنفردة دون حاجة إلى اللجوء للقضاء.

وفي المقابل لا يملك المتعاقد أي سلطة فعالة في مواجهة الإدارة عند امتناعها عن تنفيذ كل أو بعض من التزاماتها التعاقدية أو إخلالها بهذه الالتزامات، بل ولا يستطيع –وفقا للرأي الغالب فقها وقضاء حتى الآن- الامتناع عن تنفيذ التزاماته كلها أو بعضها في هذه الحالة، من خلال الوسيلة القانونية المعروفة في نطاق عقود القانون الخاص والتي اصطلح على تسميتها ب " الدفع بعدم التنفيذ في العقد".

ومن المستقر عليه فقها وقضاء، أن الدفع بعدم التنفيذ في نطاق العقود المدنية قد أصبح مسلما به، بل وأقرته العديد من القوانين المدنية الحديثة، ومنها قانون الالتزامات والعقود المغربي والذي نص عليه في الفصل 235 منه.

1.     الإطار المفاهيمي:

يتطلّب منا هذا الموضوع القيام بجرد لمجموعة من المصطلحات والمفاهيم المتداولة في هذا الشأن وتعريفها، ذلك أن تحديد المفاهيم هو أحد المداخل الأساسية  لأية دراسة علمية وشرطا ضروريا لبلوغ المعرفة المتعلقة بالموضوع.

-          العقود الإدارية: استقر الفقه والقضاء الإداريان على أن العقد الإداري هو كل اتفاق يبرم بين طرفين احدهما أو كلاهما من أشخاص القانون العام. وأن يكون متصلا بنشاط مرفق عام من حيث سيره أو تنظيمه، وتظهر فيه نية تطبيق مبادئ القانون العام، بما يحتوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص[2].

-          الدفع بعدم التنفيذ: يتمثل الدفع بعد التنفيذ في أن المتعاقد له حق الامتناع عن تنفيذ التزاماته تجاه الطرف الآخر حتى يقوم هذا الأخير بتنفيذ ما التزم به إزاء الطرف الأول.

وهذا ما أشارت إليه الفقرة الأولى من الفصل 235 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والتي جاء فيها:" في العقود الملزمة للطرفين، يجوز لكل متعاقد أن يمتنع عن أداء التزامه، إلى أن يؤدي المتعاقد الآخر التزامه المقابل..."[3].

وتتمثل الإشكالية الرئيسية التي سأحاول معالجتها في دراسة وتأصيل فكرة الدفع بعدم التنفيذ في العقود الإدارية، على غرار عقود القانون الخاص الذي أضحت مبدأ مسلم به فيها،  إذن فعلى غرار هذه الأخيرة فإلى أي حد سيساهم الأخذ بمبدأ الدفع بعدم التنفيذ في مجال العقود الإدارية في توازن العقد وضمان حقوق المتعاقد مع الإدارة؟ 

وبغية الإحاطة بمختلف حيثيات هذا الموضوع  ارتأينا مبدئيا من الناحية المنهجية تقسيمه إلى محورين رئيسيين:

-       المحور الأول: مبدأ  عدم جواز الدفع بعدم التنفيذ في مجال العقود الإدارية

-       المحور الثاني:  حالات التمسك بقاعدة الدفع بعدم التنفيذ في مجال العقود الإدارية



[1] - محمد العرج: "القانون الإداري المغربي"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، الطبعة الرابعة 2015، ص324.

[2] - محمد الأعرج، المرجع السابق، ص330.

[3] -  الفصل 235 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، صيغة محينة بتاريخ 18 فبراير 2016، منشور على موقع وزارة العدل، اطلع عليه بتاريخ 21.10.2019 على الساعة الخامسة مساء.

من أجل تحميل هذا المقال كاملا -  إضغط هناك - أو أسفله

قانونك

من أجل تحميل هذا العدد الخامس - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث