القضاء الاستعجالي الموضوعي في قانون الكراء التجاري رقم 16-49 - إسماعيل ميدة

القضاء الاستعجالي الموضوعي  في   قانون  الكراء التجاري رقم 16-49 - إسماعيل ميدة
القضاء الاستعجالي الموضوعي  في   قانون  الكراء التجاري رقم 16-49 - إسماعيل ميدة

بعد انتظار طويل أصدر المشرع قانونا جديدا يتعلق بكراء المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي  رقم 16-49[1] كمحاولة لتدارك العواقب الوخيمة التي نتجت عن ظهير 24 ماي 1955 ولتحقيق توازن بين مصلحتين رئيسيتين في عقد الكراء، أي تحقيق الاستقرار للمكتري والحفاظ على الملكية العقارية، وكل ما تخوله للمكري في ظل تعدد الحالات الاقتصادية والاجتماعية للمكترين والمكريين[2].
    وبالنظر إلى مختلف المقتضيات التي جاء بها هذا القانون، يتضح أنه أعاد النظر في الكثير من المفاهيم. كما أنه عمل على تبسيط المسطرة وتجنب التعقيد، وتكريس القواعد التي استقر عليها الاجتهاد القضائي، والفصل في العديد من الإشكالات التي كان يطرحها القانون الملغى وخاصة من حيث الاختصاص. إذ تبقى الفكرة المحورية التي يهدف إليها هذا القانون هو ضرورة إيجاد توازن بين حماية الملكية العقارية وبين الحق في الملكية التجارية[3].
إن هذه المقتضيات الجديدة التي كانت أكثر تفصيلا وتدقيقا قد منحت لمؤسس قاضي المستعجلات اختصاصات واسعة للبث في النزاعات المتعلقة بهذا القانون والتي يمكن القول عنها بأنها جاءت واضحة، بنصها على أن رئيس المحكمة يختص بصفة قاضي المستعجلات في العديد من الحالات وبالتالي فالمسطرة تكون حضورية أمام الرئيس وبحضور كاتب الضبط وفقا لما جاء في الفصل 149 من ق.م.م.
وما تتميز به هذه الاختصاصات الإستعجالية أنها في العديد من الحالات تفصل في النزاع مما يشكل خروجا عن الدور الكلاسيكي الذي ينحصر في التدخل لحماية المصلحة المشروعة دون المساس بجوهر النزاع. وهذا ما جعل البعض من الفقه يسميه بقضاء المستعجل الموضوعي[4]. وتظهر أهم الاختصاصات التي أبرزها ظهير 18 يوليوز 2016 لرئيس المحكمة في حالات متعلقة بالمحل (الفرع الأول) وكذلك حالات تهدف إلى  تطوير النشاط تجاري وحماية المكري (الفرع الثاني).

الفرع الأول :اختصاص قاضي المستعجلات في حماية المحل التجاري .

سوف نحاول الوقوف في هذا المطلب عند اختصاص رئيس المحكمة التجارية باعتباره قاضي المستعجلات في المحلات الآيلة للسقوط (الفقرة الأولى) وكذلك دوره في توسيع المحلات أو تعليتها. (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اختصاص قاضي المستعجلات في المحلات الآيلة للسقوط

خول المشرع للمكري الحق في اللجوء إلى السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة للبث في طلب إفراغ المحلات الآيلة للسقوط طبقا للمادة 13[5] من قانون 49-16.
ويراد بالمحلات الآيلة للسقوط حسب المادة 2 من القانون 12-94[6] المتعلق بالمباني الآيلة لسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري، كل بناية أو منشأة كيفما كان نوعها، يمكن لانهيارها الكلي أو الجزئي أن يترتب عنه مساس بسلامة شاغليها أو مستغيلها أو المارة أو البنايات المجاورة وإن كانت غير متصلة بها.
ويراد بها كذلك، كل بناية أو منشأة لم تعد تتوفر فيها ضمانات المتانة الضرورية بسبب ظهور اختلالات بأحد مكوناتها الأساسية، الداخلية أو الخارجية أو بسبب تشيدها على أرض غير آمنة من التعرض للمخاطر.
من المعلوم أن طلب إفراغ المحل المكتري لكونه آيل للسقوط هو من ضمن الحالات التي لا يستحق عنها المكتري أي تعويض (البند 4 من المادة 8 من ق 16-49).
ما لم يثبت المكتري مسؤولية المكري في عدم القيام بأعمال الصيانة الملزم بها اتفاقا أو قانونا رغم إنذاره بذلك. بمعنى أن المكتري هو ملزم قانونا بإعلام المكري بكل الوقائع التي تستلزم تدخله لحماية العين المكتراة بما في ذلك أعمال صيانتها. فإذا أثبت المكتري قيامه بهذا الإعلام وتعمد المكتري عدم القيام بأعمال الصيانة للمحل الآيل السقوط أو الإذن له لذلك في هذه الحالة يستحق المكتري التعويض.
ويحق للمكتري إذا استجاب المكري إلى بناء المحل أو إصلاحه داخل ثلاثة سنوات الموالية لإفراغه الرجوع إلى المحل. أما إذا كانت دعوى الإفراغ سارية، فيجب على المكتري أن يعبر عن رغبته في الرجوع إلى المحل وإذا لم يعرب عن رغبته في الرجوع، في هذه الحالة فإن المكري يكون ملزما بأن يوجه المكتري إنذار يضمن شيئين اثنين وهما:
1)   الإخبار بالشروع في البناء
2) مطالبته بالإعراب عن نيته في استعمال حق الرجوع داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ التوصل لأنه بمرور هذا الأجل فإن حقه يسقط ليس فقط في الرجوع للمحل، بل وحتى في التعويض أيضا[7].
وسعيا من المشرع في الحفاظ على توازن العلاقة الكرائية بين المكري والمكتري، خول الحق للمكتري في اللجوء لرئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة من أجل تحديد تعويض احتياطي كامل وفقا لمقتضيات المادة 7 من قانون 16-49 إذا قام بالإجراءات التي تتطلبها دعوى الإفراغ وفي حرمانه من حقه في الرجوع رغم القيام بالإعلام.
والواضح من خلال هذه المادة، أن المشرع خول للقاضي الأمور المستعجلة ممارسة صلاحية قاضي الموضوع باستعمال وسائل التحقيق للفصل النهائي في النزاع ذلك لأنه الاستجابة لطلب المكتري بخصوص التعويض الاحتياطي، فإنه لا شك أن الأمر يستدعي إجراء خبرة لتقويم الأصل التجاري انطلاقا من التشريعات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة بالإضافة إلى ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقد من عناصر الأصل التجاري كما يشمل مصاريف الانتقال من المحل[8].
وما يلاحظ أن قاضي الإستعجالي في دعوى الإفراغ، يكون له اختصاص موضوعي يتعلق بالعديد من الإجراءات التي يستند عليها في القيام بمنح تعويض لفائدة المكتري وهذا ما يجعله  يبحث في المستندات والوثائق التي يقدمها المكتري له دون أن يقوم بالمساس في الجوهر النزاع لأن قاضي المستعجلات تحول مفهومه إلى قاضي المستعجلات الشكلي تماشيا مع ما يتطلبه هذا القانون.
وبخصوص هذه النقطة التي نحن بصدد دراستها( المحلات الآيلة للسقوط )قد يثار تساؤل حول الجهة القضائية المختصة للبث في طلبات الإفراغ وذلك بالنظر إلى عدم تطابق الحاصل في هذه النقطة و بين المادة 4 من القانون 12-94 بشأن التشريع المطبق على المحلات الآيلة للسقوط وعمليات التحديد الحضري الذي يمنح الاختصاص للمحكمة الابتدائية ومقتضيات المادتين 17 و 38 من القانون 16-49 اللتين يستفاد من مقتضياتهما منح الاختصاص الأصلي إلى رئيس المحكمة  التجارية[9].
ونفس التضارب يظهر أيضا بالنسبة لأحقية المكتري في التعويض وإذ أن المادة 4 من القانون 12-94 تقر إمكانية الإفراغ دون تعويض، بخلاف ما تنص عليه المادة 17 من قانون 16-49 بأحقية المكتري في تعويض احتياطي يستخلص في حالة الحرمان من حق الرجوع.
وهنا يمكننا أن نتساءل ما هو القانون الذي له الأولوية في التطبيق رغم وجود تعارض بينهما؟
إذا ما تم اعتبار أن هذا الموضوع يتعلق بمحلات آيلة للسقوط يستغل بها أصل تجاري. فيمكن القول أن الأمر يرتبط بنصين خاصين لذا يعمل بقاعدة أن النص اللاحق ينسخ النص القديم ضمنيا.[10]

الفقرة الثانية : اختصاص قاضي المستعجلات في توسيع المحل أو تعليته

تنص المادة 16 من ق 16-49 إذا اعتزم المالك توسيع أو تعلية البناية وكان ذلك لا يتأتى إلا بإفراغ المحل أو المحلات المكراة، فإن الإفراغ المؤقت للمكتري يتم لمدة يحددها المكري، على أن لا تتعدى سنة واحدة ابتداء من تاريخ الإفراغ، وعلى غرار ظهير 1955 ميز القانون رقم 16-49 بين طالب الإفراغ  للهدم وإعادة البناء من جهة وبين طلب الإفراغ لتوسيع المحل أو تعليته[11].
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 16-49 نجد المشرع اشترط العديد من الشروط لطلب توسيع المحل أو تعليته، من بينها ضرورة احترام المادة 18 منه والتي نصت على أنه يتعين على المالك الراغب في إفراغ المحل للهدم وإعادة بنائه أو إفراغه لتوسعته أو لتعليته الإدلاء برخصة بناء سارية المفعول مسلمة من الجهة المختصة وبالتصميم المصادق عليه من طرفها[12]، وقد أشارت المادة الموالية للمادة 16 المنظمة لتوسيع المحل أو تعليته أن رئيس المحكمة يختص في الطلب الرامي إلى الإفراغ وتحديد قيمة التعويض المستحق للمكتري طيلة مدة الإفراغ، بحيث يجب أن يساوي هذا التعويض الضرر الحاصل للمكتري دون أن يتجاوز مبلغ الأرباح التي يحققها المكتري حسب التصريحات الضريبية لسنة المالية المنصرمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أجور اليد العاملة والضرائب والرسوم المستحقة خلال مدة حرمانه من المحل. بالإضافة إلى أن رئيس المحكمة يختص في تمديد مدة الإفراغ وتحديد التعويض المستحق عن ذلك. ويختص في حالة تأخر المكري في تسليم المحل داخل الأجل المحدد له دون سبب مشروع، يحق للمكتري المطالبة بالتعويض الكامل من رئيس المحكمة الذي يحدده إسنادا على مقتضيات المادة 7 من نفس القانون.
وبخصوص المادة 17 من القانون 16-49 يمكننا أن نطرح تساؤل حول طبيعة اختصاص رئيس المحكمة التجارية، هل يختص في توسيع المحل أو تعليته بصفته كقاضي المستعجلات أم يختص بصفته القضائية فقط؟
بالرجوع إلى المادة 13 من ق 16-49 المتعلقة باختصاص رئيس المحكمة للتجارية في المحلات الآلية السقوط أنها أشارت إلى انه يختص  بصفته كقاضي الأمور المستعجلة، وهذا ما يجعل هذا الاختصاص محدد بنص واضح على خلاف المادة 17 التي أشارت إلى أن اختصاص رئيس المحكمة دون أن تعيين هل هو اختصاصا استعجالي أم موضوعي، وفي اعتقادنا أن اختصاص رئيس المحكمة يبقى اختصاص بصفته هذه، لأن المشرع لو أراد أن يبث في هذه الحالة بصفته كقاضي المستعجلات، لأشار إليه بعبارة واضح كما سبق الإشارة في المادة 13.

الفرع الثاني: اختصاص قاضي المستعجلات في تطوير الأنشطة التجارية وتحقيق حماية للمكري

سوف نحاول في هذا المطلب الوقوف على أهم الاختصاصات التي أسندها المشرع لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضي المستعجلات والمتمثلة في اختصاص منح الإذن للمكتري بممارسة نشاط أو أنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي (الفقرة الأولى) وذلك اختصاصه في استرجاع حيازة المحلات المهجورة والمغلقة. (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اختصاص قاضي المستعجلات في منح الإذن للمكتري بممارس أنشطة مكملة لنشاط الأصلي.

فيما يتعلق بممارسة المكتري لنشاط مكمل أو مرتبط بالنشاط الأصلي، فطبقا للفقرة الأولى من المادة 22 من القانون 16-49،  يسمح للمكتري بممارسة نشاط أو أنشطة مكملة أو مرتبطة للنشاط الأصلي متى كانت هذه الأنشطة غير منافية لغرض وخصائص وموقع البناية. وليس من شأنها التأثير على سلامتها، وهكذا فقد سبق لمحكمة النقض أن قضت بأنه :" لكن حيث أن المحكمة كما ثبت لها من مراجعة عقد الكراء المبرم بين الطرفين أن الشركة المالكة للمحل تأذن للمكتري بتحويل المحل إلى مشروع سياحي أي مقهى ومطعم ومثلجات وكل ما يدخل في مفهوم المقهى والمطعم، اعتبرت عن صواب أن وضع الألعاب الإلكترونية بجزء من المحل المكتري للمقهى والمطعم يدخل ضمن المشروع السياسي المتفق عليه بموجب عقد الكراء ولا يشكل تغيير للنشاط التجاري وبالتالي لا يعد سببا مبررا للمصادقة على الإنذار بالإفراغ وهي بنهجها ذلك تكون قد قدرت الواقع بما لها من سلطة في ذلك وجعلت قرار محكمة النقض معللا بما يكفي لتبريره وركزته على أساس ولم تخرق في ذلك أي مقتضى قانوني وكان ما استدلل به الطاعن عدم الأساس[13].
وبناءا على ذلك، فإن المشرع والتوجه القضائي الصادر عن محكمة النقض قد سمح المكتري بممارسة أنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي ما لم تكن هذه الأنشطة منافية لغرض وموقع البناية أو يكون لها تأثير على سلامة هذه الأخيرة، فأول أجراء يجب على المكتري القيام به هو أن يوجه طلب بممارسة هذه الأنشطة إلى المكري ويبين ما نوعيتها. بحيث يجب على هذا  الأخير أن يشعر المكتري بموقفه بخصوص هذا الطلب داخل أجل شهرين من تاريخ التوصل وإلا اعتبر موافقا على الطلب.
ففي حالة الرفض من طرف المكري بصيغة صريحة يمكن للمكتري اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات، للإذن له بممارسة النشاط أو الأنشطة الجديدة، ما لم تكن منافية مع النشاط الأصلي أو موقع البناية.
ويبقى من حق المكري في هذه الحالة المطالبة بتحديد وجيبة كرائية جديدة يسري مفعولها من تاريخ الطلب، ولا تخضع أيضا للمراجعة العادية المحددة وفق القانون رقم 03-07 المتعلق بأثمان الكراء.
وما يلاحظ بخصوص هذا التدخل لرئيس المحكمة هو مساس بحرية التعاقدين، بإضافة شرط لم يتم الاتفاق عليه في عقد الكراء، وبالتالي مخالفا لمبدأ العقد شريحة المتعاقدين[14].
وفي الأخير يمكن أن القول، أن تدخل قاضي المستعجلات أصبح  ينسجم مع المتطلبات الحالية للتجار خاصة بعد ظهور المركبات التجارية الكبرى في الأحياء الشعبية، التي أصبحت تأثر على صغار التجار وتجعلهم يفكرون في تغيير أنشطتهم، لأنهم  كانوا يصطدمون بدعوى الإفراغ من أجل تغيير النشاط التجاري بحيث جاء هذا النص لينظم هذه المسألة ويمنحهم الحماية اللازمة[15]. من اجل ضمان الفعالية والسرعة المتطلبة في الأعمال التجارية.

الفقرة الثانية: اختصاص قاضي المستعجلات في استرجاع حيازة المحلات المهجورة أو المغلقة

لقد طرح موضوع استرجاع المحلات المهجورة أو المغلقة إشكالات عدة قبل صدور هذا القانون وتباينت أراء محاكم المملكة بشأنه، واستجلاء لهذا الغموض[16] جاء في المادة 32 من ق 16-49، حيث أعطت للمكري في حال توقف المكتري عن أداء الكراء وهجره المحل المكتري إلى وجهة مجهولة لمدة ستة أشهر أن يطلب من رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، إصدار أمر بفتح المحل والإذن له باسترجاع حيازته. ويعزز طلبه بعقد الكراء وبمحضر معاينة يثبت واقعة الإغلاق أو الهجر مع تحديد مدتهما. وكذلك بإنذار موجه للمكتري قصد أداء واجبات الكراء. ولو تعذر تبليغه بعد تضمين المحضر بسبب تعذر التبليغ. ثم يأمر رئيس المحكمة فورا بإجراء بحث للتأكد من واقعة الإغلاق أو الهجر، إلا أن المشرع في هذه الحالة لم يحدد كيف يتم البحث المطلوب، وإلى أي جهة يوكل هذا البحث، وقد كان بالأحرى بالمشرع تحديد هذه الجهة في كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين.
وبعد مرور هذه الإجراءات يصدر رئيس المحكمة، أمرا يقضي بفتح المحل واسترجاع حيازته إلى المكري هذا الأمر على الأصل ثم يقوم المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر وصفي للأشياء والمنقولات الموجودة بالمحل.
وإذا استمرت غيبة المكتري لمدة لا تقل عن ستة أشهر من تاريخ تنفيذ الأمر الإستعجالي القاضي بفتح المحل، تصبح آثار التنفيذ نهائية ويترتب عنها فسخ عقد الكراء بقوة القانون، كما يقوم العون المكلف بالتنفيذ بيع المنقولات الموجودة بالمحل بالمزاد العلني، على نفقة المكري وإيداع مبلغها بكتابة ضبط المحكمة.
وبعد استرجاع حيازة المحل إلى المكري في غيبة المكتري طبقا للمادة المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة 32 نجدها تطرح العديد من الحالات التي يمكن أن تظهر بعد سريان هذه المسطرة، والمتمثلة في حالة ظهور المكتري أثناء تنفيذ الأمر القضائي بفتح المحل أو بعده أو إذا أثبت المكتري أنه كان يؤدي واجباته الكرائية بانتظام أو أن المكري استرجع المحل ومع ذلك بقي فارغا.
كل هذه الاحتمالات التي يمكن أن ترد أثناء سريان مسطرة استرجاع المحلات المهجورة والمغلقة، عنونها المشرع بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، بحيث إذا ظهر المكتري أثناء تنفيذ الأمر القضائي تتوقف إجراءات التنفيذ تلقائيا ويحدد رئيس المحكمة للمكتري أجلا لا يتعدى 15 يوما لتسوية ملف الكراء. تحت طائلة مواصلة إجراءات التنفيذ في حقه.
أما إذا ظهر المكتري بعد تنفيذ الأمر القضائي باسترجاع الحيازة  وقبل انتهاء مدة ستة أشهر من تاريخ التنفيذ أمكن للمكتري المطالبة أمام رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه شريطة أداء ما بذمة من دين الكراء.
أما إذا أثبت المكتري أنه كان يؤدي الكراء بإنتظام، جاز له أن يطالب المكري أمام المحكمة بالتعويض[17]عن جميع الأضرار التي لحقت به بسبب المسطرة التي باشرها المكري ضده وإذا ظل المحل المكترى فارغا جاز له المطالبة بإرجاع إليه، ولو بعد انصرام أجل ستة أشهر من تاريخ تنفيذ الأمر القاضي باسترجاع الحيازة.
وهكذا يبقى اختصاص مهم لرئيس المحكمة بصفته قاضي للمستعجلات والمتعلق بعدم أداء المكتري لواجبات الكراء لمدة ثلاث أشهر، يجوز للمكري كما تضمن عقد الكراء شرطا فاسخا وبعد توجيه إنذار بالأداء وبقي بدون جدوى بعد انصرام أجل 15 يوما من تاريخ التوصل. لمعاينة التحقق الشرط الفاسخ وإرجاع العقار أو المحل ولا تتم هذه المعاينة إلا بتوفر شرطين أساسيين وهما:
-عدم أداء المكتري بواجبات الكراء لمدة ثلاثة أشهر.
-سبق تضمين عقد الكراء للشرط الفاسخ.




وفي الأخير يمكن القول أن رئيس المحكمة لديه العديد من الاختصاصات الإستعجالية في المادة الكرائية، لكن يدخل في هذه الاختصاصات ما هو مخالف القواعد العامة المتعلقة بتوفر عنصر الاستعجال وعدم المساس بجوهر النزاع، المنصوص عليهما في المادة 148 من قانون م.م،  بحيث أن المشرع تجاوز المفهوم الكلاسيكي للقضاء الإستعجالي لأنه أصبح بإمكان هذا القضاء البث في موضوع النزاع في الوثائق والمستندات للقيام بجميع الإجراءات المتطلبة للفصل في النزاع والحق المعروض عليه بصفة قطعية بعيدا عن المبدأ العقد شريعة المتعاقدين.


[1]- ظهير شريف رقم 1.16.99 صادر في 13 من شوال 1437 (18 يوليو 2016) بتنفيذ القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي صادر في الجريدة الرسمية عدد 6490 بتاريخ 7 ذي القعدة 1437 (11 اغسطس 2016)، ص 5857.
[2]- عبد الرحمان الشرقاوي: قانون العقود الخاصة، الكتاب الثاني العقود الواردة على منفعة الشيء عقد الكراء الطبعة الرابعة نوفمبر 2017 دون ذكر المطبعة ص 194 .
[3]- عز الدين بنستي: قانون الكراء التجاري محاولة لتوفيق بين الملكية العقارية والملكية التجارية، مداخلة في ندوة وطنية في موضوع الكراء التجاري الثابت والمتغير في ضوء قانون 16-49. يوم 25 نونبر 2017 بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة .
[4] الطيب البواب: موقع القضاء المستعجل في القضاء في الإسلام، مجلة المحاكم المغربية، العدد 42، السنة 1986، ص 13. أشار إليه عبد اللطيف هداية الله: القضاء المستعجل في القانون المغربي مرجع سابق ص 294.
-[5] المادة 13 من قانون 49-16 " مع مراعاة التشريع المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري، يحق للمكري المطالبة بالإفراغ إذا كان المحل آيلا للسقوط.
لا يكون المكتري محقا في الرجوع أو في الحصول على التعويض وفق الفقرات أدناه إلا إذا تم بناء المحل أو إصلاحه داخل أجل ثلاث سنوات الموالية لتاريخ الإفراغ.
يكون المكتري محقا في الرجوع إلى المحل إذا أعرب عن رغبته في الرجوع أثناء سريان دعوى الإفراغ، وإذا لم يعرب عن رغبته، فإن المكري يكون ملزما، تحت طائلة التعويض عن فقدان الأصل التجاري، بإخبار المكتري بتاريخ الشروع في البناء ومطالبته بالإعراب عن نيته في استعمال حق الرجوع داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ التوصل بهذا الإخبار.
يسقط حق المكتري في الرجوع أو في المطالبة بالتعويض إذا انصرم الأجل المشار إليه أعلاه دون التعبير عن نيته في استعمال حقه المذكور.
يختص رئيس المحكمة، بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، بصرف النظر عن المقتضيات المخالفة، بالبت في دعوى الإفراغ، وبتحديد تعويض احتياطي كامل وفق مقتضيات المادة 7 أعلاه، بطلب من المكتري، يستحقه في حالة حرمانه من حق الرجوع.
106- ظهير شريف رقم 148-16-1 صادر في 19 من رجب 1437 (27 ابريل 2016) بتنفيذ القانون رقم 12-94 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري .صادر بالجريدة الرسمية عدد 6455 (9 شعبان 1437) 16 ماي 2016 ص 3772.[6]  
[7]- عبد الرحيم بن بركة: القانون 16-49 المتعلق بكراء العقارات والمحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، مطبعة دار القلم، الرباط، طبعة 2017، ص 34.
[8]- المادة 7 من ق 16-49: يشمل التعويض قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلاقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة بالإضافة إلى ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقده من عناصر الأصل التجاري كما يشمل مصاريف الانتقال من المحل..."
[9]- في شروح القانون رقم 16-49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي: من طرف وزارة العدل والحريات، فبراير 2017، ص 44-45.
[10] - للتوسع بخصوص هذه المسطرة المرجو الرجوع الى: 
محمد محروك : الوجيز في العقود المسماة : البيوعات والاكرية الواردة على العقار في ضوء اخر التعديلات ، مطبعة النجاح الجديدة  الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 2017 الصفحة 250 وما بعدها .
[11]- مصطفى بونجه: الكراء التجاري بين ظهير 1955 والقانون 16-49 الطبعة الأولى 2016 بدون ذكر الطبعة ص 60.
[12] تنظم رخصة البناء: بموجب المادة 40 وما بعدها من الظهير الشريف رقم 93.31 1 صادر في 15 من ذي الحجة 1412 (17 يونيو 1992) بتنفيذ القانون رقم 90-012 المتعلق بالتعمير والصادر بالجريدة الرسمية عدد 4159 بتاريخ 1992/07/15 الصفحة 887.
[13]- قرار محكمة النقض عدد 571 المؤرخ في 2006-5-31 ملف تجاري عدد 2005-2-3-630 أورده مصطفى بونجة مرجع سابق ص 99.
[14] عبد الرحيم بن بركة: مرجع سابق، ص 45.
[15]- مصطفى محمد صدقي :اختصاص القضاء الاستعجالي في قانون الكراء 16-49 مقال منشور على الموقع الالكتروني www.marocdroit.com  
[16]- عبد القادر بنعدو: اختصاص قاضي المستعجلات في قانون الكراء التجاري، مقال منشور على الموقع الالكتروني. http://www.alkanounia.com
[17]- الاطلاع عن كيفية ممارسة هذا التعويض أو التعويض المشار إليه في قانون الكراء التجاري ككل المرجو الرجوع إلى بشرى اكليلح: التعويض في الكراء التجاري دراسة وفق ظهير 24 ماي 1955 وقانون 16-49 ومآله" شهادة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر قانون الأعمال. جامعة عبد المالك السعدي الكلية المتعددة التخصصات تطوان السنة الجامعية 2016-2017.