قضاء الإلغاء
![]() |
قضاء الإلغاء |
قضاء الإلغاء
سيف الدين
احميطوش
طالب باحث
ماستر متخصص القانون والممارسة
القضائية
مقدمة
1 أمام ارساء دعائم دولة الحق والقانون
واستكمال الركائز الاساسية لدولة ديمقراطية، خاضعة للقانون وتعمل على إحقاق الحق؛
أي دولة الحق والقانون كان من الضروري إخضاع الإدارة هي الأخرى للقانون ــ الدولة
ــ ومراقبة نشاطها في سبيل إحقاق المهام المناطة بها قانونا ووفق الصلاحيات
المخولة لها.
2 وعليه نجد أن المغرب بدوره بادر الى نهج أليات كفيلة
بإحقاق المشروعية[1]
التي نروم للإشارة اليها من خلال التوطئة أعلاه، عن طريق اعتماد قضاء متخصص في
الشق الإداري أي في النزاعات التي تكون فيها الإدارة طرفا باعتبارها صاحبة السيادة
وغيرها مما تختص فيه وفق المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 41.90.
3 وقضاء الإداري بدوره عرف تقسيمات فقهية الى قضاء مفسر
و قضاء زجر و قضاء الموضوعي و قضاء شخصي ... ولكن ما يهمنا نحن في هذا الشق هو
قضاء الإلغاء؛ الذي يعتبر جهة مخول لها النظر في الطلبات المقدمة من طرف الطاعن في
القرار الإداري المتسم بعدم المشروعية من أجل إنهاء العمل به .
4 المتعارف عليه هو أن الدول منها ما ينهج نظام القضاء
الموحد، و منها ما يعرف نظام مزدوج، غير أن المغرب يعرف وحدة القضاء و إزدواجية
القانون؛ حيث توجد محاكم متخصصة و أخرى عادية و قضاء الإلغاء يتموضع في المحاكم
المتخصصة و خاصة الإدارية ويرجع أساس النظام المزدوج للقضاء الفرنسي الذي يعتبر
بمثابة مهد للقضاء المزدوج ، الذين نهجوا هذا النظام بناء على 2 اعتبارات:
الأول هو
أن المسألة هنا ماهي إلا تجسيدا للمبدأ الفصل بين السلطات التي نادى بها مونتيسكيو
في كتابه روح القوانين.
الثاني كذللك نظرا للنظام السائد في فرنسا قبل الثورة
الفرنسية التي كانت تعرف أنداك نظام
الملكية المطلقة؛ التي نهجت أنداك محاكم برلمانية تابعة للوظائف الملكية
4-1 بعد ذلك تم إلغاء العمل بالمحاكم البرلمانية و منع
القضاء العادي من البت في القضايا التي تكون الإدارة طرفا فيها و إنشاء مجلس
الدولة الفرنسي سنة 1799 ليصبح دي استقلالية تامة بعد ما كان في حاجة للتصديق على
قراراته من قبل القنصل ليستقر ليسمى أنداك بالقضاء المقيد، و استمر العمل على هذا
الحال إلى حدود1872 حيث تحرر من هذا القيد و أصبح يعرف بالقضاء مفوض.
5 أما
بالنسبة المملكة المغربية التي يمكننا أن نميز فيها بين ثلاث مراحل؛
5-1 مرحلة قبل الحماية ؛ النظام السائد أنداك هو نظام
مختلف كل الاختلاف عما هو في الوقت الراهن، حيث برز ما يعرف بولاية المظالم ولا
مجال للحديث عن وجود لدعوى الإلغاء بمفهومها الحالي.
5-2 أما
في مرحلة الحماية ؛ مهدت هاته المرحلة بإصدار ظهير 1913 الذي نص على؛ منع البت أو اتخاذ
أي قرار قضائي من شأنه أن يعرقل السير العادي للإدارة واستمر الحال على نفس المنوال، الى حدود سنة
1928، حيث تم إقرار إمكانية رفع دعوى الإلغاء
أما مجلس الدولة الفرنسي، غير أن التنصيص على هذا المقتضى هو في رأينا
المتواضع ليس إلا شكليا و هو ما نستشفه من خلال انعدام قرارات الإلغاء أنداك؛ بل
أكثر من ذلك و لو تم رفع الدعوى المعنية أعلاه تتوجه بتدرع الإدارة بكون القرار من
أعمال السيادة أو من الأعمال الملكية التي لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء.
5-3
مرحلة بعد الاستقلال ؛ بعد حصول المغرب على استقلاله بادر الى إعادة النظر في
مجموعة من المقتضيات المنظمة له أنداك ؛ عن طريق تعطيل ما لا يتلاءم و طبيعة
المملكة، و إحداث أخرى أصبحت من الضروريات...، و ما يهمنا في هذا الشق من قضاء
الإلغاء هو إحداثه للمجلس الأعلى 27 شتنبر 1957 الذي كان يبت ابتدائيا و نهائيا في
طلبات الإلغاء بسبب تجاوز في استعمال السلطة و كان يعتبر محكمة قانون وواقع في نفس
الوقت بالنسبة لهاته الدعوى.
5-4 تم الاقتصار على المجلس العلى الذي شغل منصب قضاء
الإلغاء، واهتم برقابة المشروعية الى حدود إحداث محاكم إدارية متخصصة سنة 1993،
وكذلك محاكم متخصصة ذات الدرجة الثانية لتحتسب للمغرب هاته النقطة في سبيل إرساء
الركائز الأساسية لدولة الحق والقانون، ونهجه لقضاء متخصص كفيل برقابة المشروعية
ضمانا للحقوق الأفراد وحرياتهم.
وتكمن الاهمية النظرية للموضوع في التقصي عن خصوصية هاته
الدعوى الكفيلة بضمان المشروعية وحماية حقوق وحريات الافراد من جهة ومن الجهة
العملية في الوقوف على العمل القضائي في المجال واستحضار أهم الاجتهادات القضائية
ان وجدت.
والإشكالية التي تتناسب وهذا التمهيد وكذلك المعلومات
المزمع التطرق لها هي؛ الى اي مدى تم تنظيم دعوى الإلغاء الألية الأساسية للقضاء
الإلغاء من أجل رقابة المشروعية في سبيل إحقاق الحق وتطبيق القانون؟
المطلب
الأول: الشروط الشكلية
1 هي
شروط يقضي القضاء بعدم قبول الدعوى شكلا كلما انعدمت، ولو كان القرار متسم بعدم
المشروعية. ويتم التقصي عنها قبل الشروع بالبت في موضوع الدعوى ـ الجوهر ــ.
1-2 وهي شروط تنظمها نصوص خاصة و أخرى عامة يحيل علها
النص الخاص 41.90 و مضمنة في قانون المسطرة المدنية، كالصفة و الأهلية و المصلحة
"شروط تتعلق بالطاعن" وأخرى ضمن النص الخاص؛ كشروط القرار الإداري، و
تقديم المقال الافتتاحي كتابة مرفق بنسخة من القرار المطعون فيه أو رفض التظلم أو
ما يثبت تقدم بهذا التظلم إن كنا أمام رفض ضمني للإدارة (الفقرة الأولى)، ثم
احترام الأجل و انعدام الدعوى الموازية (الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى: شروط متعلقة بالقرار المطعون فيه والطاعن
أولا: يجب أن يكون القرار صادر عن سلطة إدارية
1 بتنصيص على المقتضى أعلاه أول سؤال ينبغي طرحه؛ هو ما
لمقصود بالسلطة الإدارية؛ هي تلك الجهة التي تهتم بالعمل الإداري الصادر عن الدولة
باعتبارها صاحبة السيادة وليس كشخص عادي، وتم في بادئ الأمر اعتماد معيار عضوي ثم
معيار الشخصية المعنوية العامة.
2 على سبيل المثال لا الحصر نستحضر المؤسسات العمومية
والجماعات الترابية والمحلية وغيرها مما يخرج من نطاق الخواص والسلطة التشريعية
والسلطة القضائية، ويدخل ضمن نطاق السلطة الإدارية.
3 هذا المقتضى فعلا هو متعلق بالدرجة الأولى بالقرار
المطعون فيه، فلكي يكتسي الطابع الإداري وجب أن يصدر عن جهة إدارية .
ثانيا:
أن يكون قرار نهائي
1 القرار
النهائي هو قرار يكون قابل للتنفيذ مباشرة بعد ولا يحتاج الى سلطة أعلى للمصادقة
عليه من أجل التنفيذ، وهو ما اكده العمل القضائي؛ حيث قضى بعدم قبول دعوى الإلغاء
الموجهة ضد قرار المجلس التأديبي نظرا لكونه لا يغدو أن يكون مجرد جهة استشارية
لاتخاذ العقوبة التأديبية الملائمة في حق الموظف العمومي من طرف الجهة المخول لها
سلطة التأديب.
1-2
الأمر المؤكد في العمل القضائي بمقتضى حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 185 ملف
عدد 95/26، حيث اعتبر فيه أن قرار المجلس التأديبي هو دي صبغة استشارية ليس إلا،
ويدخل ضمن الأعمال التحضيرية مما جعلها تقضي بعدم القبول.
2 وهو ما يجعلنا نخلص الى أن العبرة من القرارات
النهائية لا التمهيدية والتحضيرية.
ثالثا:
أن يكون مؤثر في المركز القانوني للطاعن
التأثير هنا المقصود به أنه ألحق أثرا بالمركز القانوني
للطاعن وإلا فلا عبرة بالطعن فيه، مثل تلك القرارات التي تستهدف الكشف عن وضعية
معينة كقرار إجراء كشف طبي لموظف عمومي.
رابعا:
أن يكون صادر عن سلطة وطنية
بمعنى أن القرار الصادر في مواجهة الطاعن وجب أن يكون
صادر عن جهة إدارية ووطنية، أي باسم المملكة المغربية ويستوي أن يكون صادر عن جهة
دبلوماسية.
خامسا:
ألا يكون القرار من أعمال السيادة ولا قرار ملكي
1 كون
الملك هو الضامن لاستقلال السلط الثلاث دستوريا، وهو الضامن لممارسة مجموعة من
الحقوق المنصوص عليها بمقتضى دستور 2011، تنزيها لصفته السامية والرمزية فلا يمكن
إخضاع قراراته للتقييم القضائي
2 أما أعمال السيادة هو مقتضى منقول من اجتهادات مجلس
الدولة الفرنسي، وهو مقتضى وإن أمكنني القول يستقصي إقصاء بعض الأعمال من الرقابة
القضائية خاصة تلك التي تتخذ في بعض الحالات الاستثنائية، او التي تتخذ في حالات
استعجالية.
الفقرة
الثانية: شرط الأجل وعدم وجود دعوى موازية
أولا:
شرط الأجل
1 من
البديهي أن لكل حق أجل تتقادم فيه صلاحية المطالبة به أمام جهات قضائية اللهم إن
تعلق الأمر بما استثناه الشارع صراحة أو ضمنيا، وبخصوص حق الطاعن للجوء الى قضاء
الإلغاء يتمثل وفق المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية 41.90 في 60 يوم؛
التي تبتدأ من تاريخ النشر أو التبليغ.
1-1 والاجتهاد القضائي توسيعا من الضمانات الممنوحة
للأفراد في مواجهة الإدارة أخد بالعمل اليقيني[2]، حيث
أمكن احتساب هاته المدة ابتداء من تاريخ العمل بالمصلحة الحقيقية لاتخاذ القرار
وليس الصورية.
2
يبقى لي الأخير الإشارة الى أن هذا الأجل المتمثل في 60 يوم يمكن أن يتوقف احتسابه
في بعض الحالات مثل حالة تقديم طلب المساعدة القضائية، أو تقدم بتظلم[3]
للجهة الإدارية المصدرة للقرار الإداري، أو رفع دعوى أمام جهة قضائية غير مختصة
وتبتدأ بالسريان من تاريخ إصدار المقرر الذي يقضي بعدم الاختصاص ويبين الجهة
المختصة. أو وجود ظروف قاهرة.
ثانيا:
شرط عدم وجود الدعوى الموازية
1 بالرجوع الى نفس المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم
الإدارية 41.90. نجد أنها تقضي بعدم قبول دعوى الإلغاء كلما كانت إمكانية لرفع
الدعوى أمام جهة قضائية عادية.
1-1 فالمشرع كرس لمبدأ الدعوى الموازية[4]،
وهو نفس الأمر المجسد في العمل القضائي بخصوص قرار 1114 الصادر سنة 2001 عن المجلس
الأعلى، حيث قضى بإلغاء الحكم المستأنف لوجود دعوى موازية
لكي
نكون أمام دعوى موازية وجب أن تكون الدعوى الموازية محققة لنفس المزايا التي
تحققها دعوى الإلغاء، أي أنه يجب أن تؤدي إلى حول المدعي على مركز معادل للمركز
الذي يمكنه الحصول عليه بواسطة دعوى الإلغاء.
فلا
يكفي في هذا الصدد أن تكون الدعوى الموازية مؤدية إلى مجرد الحكم التعويض عن
النتائج الضارة المترتبة على القرار الإدارية غير المشروع، بل يجب أن يترتب عليها
إزالة أو محو نتائج هذا القرار.
2 وهنالك شروط أخرى منصوص عليها بمقتضى نصوص عامة، حيث
نجد أن القانون المحدث للمحاكم الإدارية يحيلنا على قانون المسطرة المدنية، بخصوص
الصفة والأهلية والمصلحة وكذلك ينظم في بعض الأحيان بعض المقتضيات المتعلقة بالعمل
القضائي أو بالأحرى بالمسطرة المتبعة أمام المحاكم الإدارية.
2-1 الصفة؛ هي صلاحية الشخص في اللجوء الى القضاء
للمطالبة بحقه، ويستمدها من كونه صاحب الحق والقانون المحدث للمحاكم الإدارية ينص
على ضرورة مؤازرة محامي[5]
مقبول لدى هيئة المحامين بعدما كان يتطلب الأمر محامي مقبول الترافع أمام المجلس
الأعلى،
2-2 الأهلية والأهلية هنا أهلية الأداء بطبيعة الحال
التي تخول القيام بتصرفات قانونية يعتد بها على وجه صحيح عملا بالمادة 209 من
مدونة الأسرة.
2-3 المصلحة: في هذا الشق هي إلغاء القرار الإداري
المتسم بعدم المشروعية، لما له من تأثير سلبي على المركز القانوني لدي الحق.
4 ثم شروط أخرى تفتضيها كما سبق وأبنت عنه طبيعة المسطرة
أمام المحاكم المتخصصة، الإدارية. مثل تقديم المقال الافتتاحي مكتوب موقع من قبل
المحامي المسجل لدى هيئة المحامين.
المطلب
الثاني: الشروط الموضوعية
بعد التطرق للشروط الشكلية التي أشرنا إليها أعلاه و لو
بشكل مقتضب الا أننا اكتفينا بالنقط الجوهرية دون الخوض في المسائل المملة و
البديهية ولا الإشكالات التي تطرحها بعض المواضيع كإلزامية التظلم الإداري كون
الموضوع هنا نظري منقح بالعمل القضائي ولا يخص إشكالات معينة ، مما يجعلنا نتطرق
فيما بعد لأهم الشروط الموضوعية اللازمة لرفع دعوى الإلغاء و هنالك من الفقه من
سماها بأوجه الإلغاء تم التنصيص عليها في المادة 20 من القانون المحدث للمحاكم
الإدارية رقم 41.90، ويمكننا تقسيمها الى عيوب المشروعية الخارجية (الفقرة
الاولى)، و عيوب المشروعية الداخلية (الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى: عيوب المشروعية الخارجية
هي عيوب تهم الشق الشكلي للقرار دون الخوض في الجوهر أو
الموضوع وكلما توفرت قضى قاضي الإلغاء بإلغاء القرار نظرا لاتسامه بعيب عدم
المشروعية الخارجية، ويمكننا أن نحصرها في عيب عدم الاختصاص (أولا) ثم عيب الشكل
(ثانيا).
أولا:
عيب عدم الاختصاص
1 الاختصاص هو صلاحية مخولة للإدارة من أجل إصدار قرار
إداري معين، وعيب الاختصاص هو إصدار القرار الإداري عن جهة غير مختصة ونميز بين؛
1-1 عيب
الاختصاص الجسيم الذي يفقد القرار صفته وطبيعته الإدارية كان يصدر القرار عن جهة
ليس لها الصفة الإدارية، أو الاعتداء على اختصاص السلطة التشريعية أو القضائية.
1-2 عيب الاختصاص اليسير أو البسيط وهو أقل جسامة
والأكثر وقوعا، وله 3 صور
عدم الاختصاص السلبي أو الإيجابي؛ الأول أن تمتنع
الإدارة عن إصدار القرار الإداري التي تدعي أنه لا يدخل ضمن اختصاصها وهو العكس
فهي المختصة، أما الإيجابي فهو أن تصدر الإدارة القرار الإداري الذي لا يدخل ضمن
اختصاصها.
عدم الاختصاص المكاني؛ هي حالة عدم احترام الصلاحية
المكانية للإدارة لإصدارها للقرارات الإدارية
دم الصلاحية الزمانية؛ نفس الحالة السابقة غير أنه في
هاته الحالة لا تحترم الإدارة الزمن المخول لها لإصدار هذا القرار الإداري.
ثانيا:
عيب الشكل
1 الشكل أو الإجراءات الواجب إتباعها أثناء إصدار القرار
الإداري، والإدارة تكون لها سلطة تقديرية في تحديده إن كنا أمام غياب نص قانوني،
لكن إن تم تحديد الشكل نكون أمام سلطة مقيدة للإدارة تقابلها رقابة المشروعية
المخولة لقضاء الإلغاء، ومنه كل تجاوز لهاته السلطة يؤدي لعدم المشروعية وبالتالي
قابلية القرار للإلغاء.
1-1 ومن بين صور عيب الشكلية نستحضر عدم احترام ما تم
التنصيص عليه قانونا مثل عدم تخويل الموظف العمومي حقه في الدفاع، أثناء إجراءات
التأديب. وكذلك التوقيع وغيرها مما يمكننا إدراجه ضمن العيوب الشكلية
1-2 أما بالنسبة للنصوص المنظمة لعيب الشكل نجد نصوص
عامة وأخرى خاصة، والقضاء الإداري نظرا لكونه قضاء منشأ هو الأخر له اجتهادات في
المجال مثل قاعدة توازي الشكليات[6].
الفقرة
الثانية: عيوب المشروعية الداخلية
عيوب عدم المشروعية الداخلية هي عيوب؛ هي تلك العيوب
التي تمس جوهر القرار ويمكننا حصرها في 3 عيوب، عيب مخالفة القانون (أولا) وعيب
انحراف في استعمال السلطة(ثانيا) عيب السبب (ثالثا).
أولا:
عيب مخالفة القانون
1 وهو كما معنون يهم مخالفة الإدارة للقانون؛ وخاصة تلك
النصوص القانونية الأمرة،
1-1 قد يتخذ صورة عدم العمل بالقاعدة القانونية، أو
الغلط في تأويلها، وغيرها من الصور التي يمكن أن يتخذها هذا الأخير
ويجدر بي الإشارة الى أن القاعدة القانونية قد يتم تنصيص
عليها ضمن قواعد عامة أو خاصة.
ثانيا:
عيب الانحراف في استعمال السلطة.
1 الانحراف في استعمال السلطة؛ هو حالة إصدار القرار
الإداري ولكن دو غاية مخالفة ولا تستقي خدمة الغاية المناطة بالإدارة وإنما خدمة
المصالح الشخصية،
فالقرار الإداري هو مجرد وسيلة وليس بغاية، فالغاية هي
تحقيق الصالح العام واستتباب الأمن أو الصحة أو السكينة العامة أي النظام العام
بعناصره الثلاث.
1-1 ومنه فغاية الإدارة و كأصل أو كقاعدة تصب في المصلحة
العامة، و قد نصادف أن القرار متسم بانحراف في استعمال السلطة ولو انه يصب في المصلحة العامة، ولكنها غير
المحددة قانونا؛ و هنا نكون أمام تضييق نطاق المصلحة العامة بموجب نصوص قانونية و
بالتالي وجب التقييد بالمصلحة المحددة قانونا دون غيرها و إلا كان القرار متسم
بعدم المشروعية.
ثالثا:
عيب السبب
1 السبب وكما جاء في المقررات القضائية هي تلك الوقائع
المادية التي استدعت تدخل الإدارة و إصدار القرار الإداري من أجل التصدي لها؛
وبعبارة أخرى فهي الواقعة الموضوعية السابقة للقرار الإداري و التي تشكل أساسه
المنطقي و القانوني،
1-1 والمشرع لم يستطع الإحاطة به نظرا لصعوبة الامر من
جهة، واتصاله بباقي عناصر القرار الإداري من جهة أخرى، وهو إحدى الضمانات الأساسية
لمشروعية تصرف الإدارة
خاتمة
انطلاقا مما سبق وبتفصلنا في الشروط الشكلية والموضوعية
لتفعيل قضاء الإلغاء، الذي لم يأتي اعتباطا وإنما لإبراز خصوصيات هذا القضاء
المتخصص الذي يهتم بمراقبة المشروعية قصد ضمان حقوق وحريات الأفراد.
ومنه فكلما استجمع الطاعن هاته الشروط نكون أمام طلب
قابل للبت من قبل قضاء الإلغاء الشيء الذي من شأنه أن يرتب لنا عدة أثار متمثلة
في:
1 عدم وقف التنفيذ؛ المتعارف عليه هو أن القرار الإداري
قابل للتنفيذ مباشرة، ووفق الإجراءات العادية للتقاضي أن الحق موضوع التقاضي يخضع
لأحكام الحق موضوع النزاع، ويمكن وقف التنفيذ إن تم اللجوء الى القضاء.
1-1 غير أن طبيعة النشاط الإداري في هاته الحالة يتعارض
مع هذا المقتضى مما يجل القرار مستمر في إنتاج أثاره و لو بلجوء الطاعن للقضاء أي
عدم وقف التنفيذ، و عليه فالطاعن إن أراد تعطيل العمل بالقرار الإداري وجب أن
يتقدم بطلب وقف التنفيذ و هو طلب مستقل عن دعوى الإلغاء و المحكمة في هاته الحالة
تتأكد من وجود عنصرين أساسيين لوقف التنفيذ الذين عرفهما العمل القضائي بـــ؛
ــ السرعة: أي وجود حق مهدد من شأن القرار تأثير
عليه سلبا بشكل لا يمكن تدارك معه الأمر في المستقبل
ــ الجدية: أي أن الطلب ينبني على أساس منطقي أي
ما يثبت وجود هذا التهديد ولا يؤخذ بالافتراض في هاته الحالة.
2 الغاء القرار الإداري: وهو السبب الاساسي الذي تقدم من
أجله الطاعن بطلبه هذا أمام القضاء حيث يقضي القاضي بإلغاء القرار متى ما تبث صحة
ما يدعيه الطاعن وبنى قناعته على ما نوقش أمامه. وبالتالي يصبح القرار عديم الأثر
وكأنه لم يكن من قبل ولا يحتج به في مواجهة الغير.
2-1 والمحكمة لها أن تلغي القرار وليس لها ان توجه
الأوامر للإدارة، الأمر المؤكد وفق مبدأ فصل السلط المنصوص عليه دستوريا بمقتضى
دستور 2011.
3 الإلغاء الجزئي: وهو نفس حكم الإلغاء الكلي غير أن
الأمر هنا يقتصر على جزء معيب من القرار دون غيره ويتم تفعيل هاته المسألة متى ما
تبتت امكانية تجزئ القرار الإداري.
التقيد بطلبات الأطراف: القاضي الإداري هو منشأ للقاعدة
القانونية بهدف إضفاء حماية على المركز القانوني الضعيف المتواجد في علاقة الفرد
مع الإدارة، من جهة وألية لضمان مشروعية العمل الإداري من جهة أخرى ولا ينحاز
للطرف الطاعن ولا الإدارة صاحبة السيادة و السلطان،
3-1 وبالتالي فالقاضي يقضي بإلغاء القرار كلما كان متسم
بعيب المشروعية، وتوفرت الشروط المنصوص عليها أعلاه، وليس له التدخل في النزاع
مثلا ان تقدم الطاعن بطلبه أمام القضاء ويستند في أساسه على عيب الاختصاص في حين
أن القاضي تبين له أن العيب هو عيب السبب فله أن يقضي بقبول الطلب من حيث الشكل في
حين أن الموضوع يقضي برفض الطلب لعدم استناده على أسس صحيحة.
4 التنفيذ بحسن النية: فالقضاء وعند الغاءه للقرار
الإداري وجب على الإدارة التقييد، بالشيء المقضي به واحترام المقرر القضائي وعدم
إدخال الجانب الشخصي لأشخاص القانون العام في الدعوى كون الدعوى هي عينية ولا
تستهدف الإنقاص من المسؤول عن الإدارة، وانما الغاء القرار الذي من شانه أن يؤثر
سلبا على الطاعن
وهو ما أصبحنا نشهده بشدة في الواقع العملي، فأغلب
الأحيان يرفض المصدر للقرار الإداري الانصياع للمقرر القضائي أو التماطل في تنفيذه
اعتقادا منه أن الدعوى القضائية موجهة لشخصه و تستقي إهانته وقس على ذلك...
وفي الاخير يبقى لي الإشارة الى أن المغرب وعند ارساءه
لقضاء متخصص ضمن المملكة المغربية تحتسب له خطوة ايجابية في سبيل ترسيخ مبادئ دولة
الحقو القانون، وحصر الإدارة في نطاق المشروعية والحلول دون تعسفاتها على الفرد
الذي يعتبر ذي مركز قانوني ضعيف.
[1] يعتبر مبدأ المشروعية
المرتكز الأساسي لدولة القانون وسمة من سمات الدولة الحديثة, ويقصد بها سيادة حكم
القانون من حيت خضوع الحكام و المحكومين له, فهي توجب على الدولة احترام القواعد
القانونية الملزمة لها, مما يترتب عليه خضوع الدولة في تصرفاتها للقانون ساري المفعول.
[2] العلم اليقيني، كما عرفه
القضاء الإداري في كل من فرنسا والمغرب، هو العلم بفحوى القرار الإداري ومضمونه
بشكل ينفي الجهالة، وهو الذي ستنتج من طرف المحكمة من خلال أي وثيقة أو قرينة أو
واقعة تستشفها من أوراق الملف المعروض أمامها.
العلم اليقيني، هي نظرية
بمقتضاها يعتبر القضاء الإداري أن الطاعن قد أصبح على علم بدعوى القرار الإداري
المطعون فيه، من خلال القراءن وما في حكمها من وثائق ووقائع مادية، وقد صدرت عن
المحاكم الإدارية بالمغرب عدة أحكام في هذا الاتجاه.
كما أن العلم اليقيني هو علم ذي المصلحة بصدور القرار المعيب وبأسبابه ومضمونه بصورة تجعله يتمكن من تحديد مركزه القانوني، ولما كان النشر والتبليغ هما وسيلتان للعلم من قبل صاحب الشأن بالقرار، فإذا تحقق علم ذي المصلحة بالقرار عن غير طريق التبليغ أو النشر، فإنه يمكن القول ببدء سريان المدة.
كما أن العلم اليقيني هو علم ذي المصلحة بصدور القرار المعيب وبأسبابه ومضمونه بصورة تجعله يتمكن من تحديد مركزه القانوني، ولما كان النشر والتبليغ هما وسيلتان للعلم من قبل صاحب الشأن بالقرار، فإذا تحقق علم ذي المصلحة بالقرار عن غير طريق التبليغ أو النشر، فإنه يمكن القول ببدء سريان المدة.
[3] التظلم الإداري، أن يصدر
قرار إداري معيب أو غير ملائم على الأقل في نظر ذي المصلحة، فيتقدم المعني بالأمر
إلى الجهة التي أصدرته إلى جهة رئاسة طالبا سحبه أو تعديله
واللجوء إلى التظلم الإداري في التشريع المغربي،
سواء أكان تظلما استعطافيا أو رئاسيا قبل سلوك طريق التظلم القضائي، بعد مسألة
اختيارية غير ملزمة ، بحيث إنه يجوز للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي
مباشرة قبل مروره على طريق التظلم الإداري.
والحكمة من وجود نظام
التظلم الإداري هي أن الإدارة قد تقتنع بوجهة نظر مقدم التظلم، وتعترف بعدم
مشروعية قرار ما فتقوم بسحبه أو تعديله، فيمكن بذلك حل كثير من النزاعان بطريقة
ودية دون تدخل القضاء، كما أن التظلم الإداري قد يدفع الإدارة إلى سحب قرارها أو
تعديله لعدم الملاءمة، وهو ما قد لا يمكن إداركه عن كطريق القضاء الذي يقتصر دوره
في الأصل على رقابة المشروعية.
[4] عرفها الدكتور عبد الله حداد ــ الدعوى الموازية
ــ بأنها عبارة عن دعوى قضائية أخرى تمارس لدى جهة أخرى غير الجهة المألوفة
لممارسة دعوى الإلغاء.
[5] بالرجوع إلى المادة 3 موضوع التعليق، نجدها تلزم
المدعي وحده بالاستعانة بالمحامي أمام المحاكم الإدارية، بدليل أن المشرع اقتصر
على استعمال عبارة” مقال “عندما نص
على ما يلي، “ترفع القضايا إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في
جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب…” والمدعى عليه هنا، معفى من ضرورة الاستعانة
بالمحامي، سواء أكان محاميا أو غير محام، أما الدولة فمعفاة بقوة القانون (طالبة
كانت أو مطلوبة) أمام القضاء الإداري وغيره، ولو أمام المجلس الأعلى.
[6] أي
أن الشكلية التي تم إتباعها لترتيب أثر قانوني معين هي نفسها الواجب اتباعها
لإلغاء المركز القانوني. مثل من عين بمرسوم يعزل بمرسوم...
من أجل تحميل هذا المقال - إضغط هناك - أو أسفله