الوضعية القانونية لحامل الكمبيالة الغير مقبولة


الوضعية القانونية لحامل الكمبيالة الغير مقبولة

ماستر قوانين التجارة والأعمال

9anonak
Situation juridique le détenteur de lettre de change inacceptable



 تعتبر الأوراق التجارية من أهم ما ابتدعه الفكر البشري بعد النقود لتيسير التعامل بين الأشخاص على الصعيد الوطني و الدولي، .فقد لعبت دورا مهما في الحياة التجارية قديما وحديثا، لذلك أولتها مختلف التشريعات و المعاهدات عناية فائقة باعتبارها دولبا من دواليب الاقتصاد.    
من المتفق عليه أن القانون الصرفي يهدف إلى ضمان حقوق حامل الورقة التجارية، دعماً للسرعة والائتمان في المعاملات التجارية من خلال تمكين الورقة التجارية من تأدية وظائفها الاقتصادية كأداة وفاء وائتمان(الكمبيالة).
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، فقد أقر قانون الصرف لحامل الكمبيالة جملة من الضمانات تحمي حقه في الحصول على قيمة الكمبيالة في تاريخ الاستحقاق، ومن هذه الضمانات جعل الملتزمين بالكمبيالة ضامنين للوفاء بقيمتها ، وتمليك الحامل لمقابل الوفاء وعدم جواز الدفع في مواجهته بالدفوع المبنية على العلاقات المباشرة ،  إضافة إلى تمكين الحامل الأخير حق الرجوع على الملتزمين قبل تاريخ الاستحقاق.
وتعتبر هذه الضمانة الأخيرة أهم ضمانة ممنوحة للحامل الأخير بموجب قانون الصرف. غير أن الاشكال الذي يطرح في هذه الصدد هو  مصير الحامل، الذي قدم الكمبيالة للقبول، لكن رفض المسحوب عليه قبولها؟ 
للإجابة على هذا الاشكال سوف نقسم العرض إلى مبحثين:
المبحث الأول: شروط وإجراءات تقديم الكمبيالة وآثارها
المبحث الثاني: الكمبيالة الغير مقبولة

سوف نتناول هذا المبحث وفق مطلبين، المطلب الأول نخصص للحديث عن شروط تقديم الكمبيالة للقبول، لنتطرق ضمن المطلب الثاني إجراءات تقديم الحامل للكمبيالة للقبول، وأثارها.
يعد التوقيع بالقبول على الكمبيالة من جانب المسحوب عليه، من قبيل التصرفات القانونية التي تستلزم توافر مجموعة من الشروط الموضوعية (الفقرة الأولى) والشكلية (الفقرة الثانية)
يتعين أن يتوافر في الشخص الذي يصدر منه القبول الأهلية التجارية، فنقص الأهلية يعد سببا للدفع يجوز الاحتجاج به في مواجهة الحامل وإن كان حسن النية، كما يجب أن يصدر عنه رضاء صحيح من المسحوب عليه وأن لا يعتريه أي عيب  من عيوب الإرادة، غير أن البطلان الناشئ عن عيوب الإرادة لا يجوز التمسك به في مواجهة الحامل حسن النية.[1]
ويتعين أيضا أن يكون التزام المسحوب عليه بالقبول نتيجة سبب موجود ومشروع، ولا يجوز التمسك بانتفاء السبب أو عدم مشروعيته اتجاه الحامل حسن النية.
وخلاصة القول ان التوقيع على الكمبيالة بالقبول من قبيل التصرفات القانونية التي تنشئ في ذمة الموقع التزاما صرفيا بدفع مبلغ من النقود في تاريخ الاستحقاق. وهذا الالتزام لا يصير صحيحا إلا إذا توافرت فيه الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الالتزامات بصفة عامة، الرضا والمحل والسبب والأهلية. وبالإضافة إلى الشروط الموضوعية العامة، يتعين توافر شرطين خاصين بالقبول نصت عليهما المادة 176 من ق.ت.ج.
1- أن يكون القبول الصادر عن المسحوب عليه ناجزا، فلا يكون صحيحا إذا ما تم تعليقه على شرط واقف أو فاسخ.[2] لأن ذلك من شأنه أن يضعف الثقة بالكمبيالة مما يؤدي إلى تعطيل تداولها كأداة للوفاء والائتمان.
2- يعد القبول الصادر من المسحوب عليه بمثابة رفض للقبول إذا ما ادخل هذا الأخير أي تعديل أو تحوير على بيانات الكمبيالة، (تغيير تاريخ الاستحقاق) وبالرغم من ذلك يجوز للحامل أن يضيف بعض التحفظات التي من شأنها أن تؤكد حقه في مواجهة الساحب، كأن يكون القبول بعبارة "مقبول على المكشوف"، كما يجوز له أيضا تكملة بيانات الكمبيالة وخاصة منها المتعلقة بالتزام المسحوب عليه كأن يعين مكانا للوفاء مع صيغة القبول.
وأخيرا نشير إلى أن القانون أجاز للمسحوب عليه أن يقصر القبول فقط على جزء من الكمبيالة (الفقرة الثالثة من المادة 176 ق.ت.ج) وهو ما يسمى بالقبول الجزئي، ويصبح بمقتضى هذا القبول، مدينا للحامل في حدود القدر المقبول، أما بالنسبة للقدر الباقي، غير المقبول من لدن المسحوب عليه، فإن على الحامل توجيه الاحتجاج لعدم القبول به، والرجوع على الضامنين قبل الاستحقاق (المادة 185 من المدونة).
تطرقت الفقرة الأولى من المادة 176 من مدونة التجارة إلى الشروط الشكلية الواجب توفرها في قبول المسحوب عليه للكمبيالة[3]. ونستخلص من مقتضيات هذا النص ما يلي :
أولا : الكتابة
يشترط في القبول أن يعبر عنه المسحوب عليه كتابة على الكمبيالة[4] ذاتها وذلك تطبيقا لمبدأ الكفاية الذاتية. فالتعبير عن الإرادة بالقبول كتابة يختلف حسب ما إذا ورد هذا القبول على وجه الكمبيالة أو على ظهرها. فالتوقيع المجرد على وجه الكمبيالة، يعتبر قبولا بالدرجة الأولى طبقا لما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 176 من مدونة التجارة. أما إذا جاء التوقيع على ظهر الكمبيالة، فلا بد هنا من توقيع المسحوب عليه بالإضافة إلى صيغة تفيد القبول.
ثانيا : صيغة القبول
يعبر عن صيغة قبول المسحوب عليه بتدوين ما يفيد هذا القبول كاستعمال عبارة "مقبول" أو أية عبارة أخرى تفيد القبول ، ويجب كتابة هذه الصيغة عندما يدون المسحوب عليه قبوله على ظهر الكمبيالة وليس على ورقة مستقلة، لأن القبول على هذه الورقة لا يعتبر قبولا بالمعنى الصرفي، كما لا يعتبر باطلا بل ينتج آثاره طبقا للقواعد العامة حيث يمكن أن يعتبر هذا القبول وعدا بالأداء، ولكن عندما يوقع المسحوب عليه على وجه الكمبيالة، فلا يشترط القانون تدوين صيغة القبول. فتوقيعه المجرد يكفي لاعتباره قبولا. أما إذا كان مثل هذا التوقيع على ظهر الكمبيالة، فلا يعتد به لاحتمال اعتباره تظهيرا.
ثالثا : توقيع القابل
بالإضافة إلى صيغة القبول، يجب توقيع المسحوب عليه أو من ينوب عنه قانونا، ويجب أن يكون هذا التوقيع بخط اليد. فتوقيع المسحوب عليه هو الذي ينشئ الالتزام الصرفي ويصبح بحكم توقيعه مدينا صرفيا اتجاه كل حامل لها بصرف النظر عن العلاقات السابقة التي أدت إلى نشؤها أو قبولها، وبالتالي فإن للحامل حق الادعاء مباشرة ضد المسحوب عليه القابل.[5]
رابعا : تاريخ القبول
لا تستوجب مدونة التجارة أن يكون القبول مؤرخا، الشيء الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى صعوبة في معرفة إذ تمتع المسحوب عليه بالأهلية اللازمة عند قبوله للكمبيالة، غير أن وضع تاريخ القبول يصبح ضروريا في حالتين:
أ‌-     عندما تكون الكمبيالة مستحقة الأداء بعد مدة معينة من الاطلاع عليها. ففي هذه الحالة، لا بد من وضع تاريخ للقبول، لأنه ابتداء من هذا التاريخ يبدأ احتساب المدة للوصول إلى معرفة تاريخ الاستحقاق.
ب‌-عند اشتراط تقديم الكمبيالة في أجل معين. ففي هذه الحالة، يصبح تاريخ القبول أمرا ضروريا وذلك لمعرفة ما إذا كانت الكمبيالة قد قدمت فعلا خلال هذا الأجل أم لا.
خامسا: وجوب القبول مطلقا
فإذا كان القبول معلقا على شرط أو معدلا لأحد البيانات الموجودة في الكمبيالة، فإنه يعتبر بمثابة رفض للقبول[6]. وإذا اقترن بشرط، اعتبر ذلك رفضا يجيز للحامل أن يرجع على الضامنين، فضلا عن أن الامتناع عن القبول يترتب عليه سقوط أجل الاستحقاق مع تحمل المسحوب عليه نفقة المصاريف.
وإذا كان القبول المشروط يعتبر رفضا للقبول، فإن القبول الجزئي يعتد به، وإذا وقع القبول على جزء من مبلغ الكمبيالة، يجب على الحامل لكي يحتفظ بحقه اتجاه الضامنين بالجزء المتبقي من المبلغ (أي الجزء الذي لم يقبل) أن يقيم احتجاجا بعدم قبول ذلك الجزء وله أن يرجع على الضامنين قبل تاريخ الاستحقاق، أو أن ينتظر حلول هذا التاريخ فيأخذ الجزء المقبول من المسحوب عليه ويرجع بالباقي على الضامنين (الساحب، المظهرين، والضامن الاحتياطي)، ولا يستطيع الحامل رفض القبول الجزئي لأن القانون أعطى للمسحوب عليه هذا الحق.
غير أن مدونة التجارة اشترطت أن يذكر في صيغة القبول المبلغ الواجب دفعه على أساس افتراض وجود هذا المبلغ في ذات الكمبيالة، ومع ذلك فإنه في حالة القبول الجزئي يلزم المسحوب عليه بأن يذكر المبلغ الذي يرد عليه القبول.
وعلى الرغم من النص صراحة على مسألة الرجوع في القبول، فإن للقبول خاصية عدم الرجوع فيه، لأنه بمجرد التعبير عن قبول الكمبيالة، فإنه يصبح قطعيا لا رجعة فيه، أي لا يمكن سحبه.
سادسا : التشطيب على القبول
تقضي المادة 179 من مدونة التجارة بأنه إذا وضع المسحوب عليه قبوله على الكمبيالة، ثم عاد فشطبه قبل إرجاعها للحامل، اعتبر القبول في هذه الحالة مرفوضا، ويعتبر التشطيب واقعا قبل إرجاع الورقة، ما لم يثبت خلاف ذلك. غير أنه إذا بلغ المسحوب عليه قبوله للحامل أو لأحد الموقعين، أصبح ملزما نحوه بمقتضى شروط قبوله، وقد يتم التشطيب عندما يترك الحامل الكمبيالة لدى المسحوب عليه مدة معينة ثم يأتي ليأخذها فنجد أن المسحوب عليه كان قد قبلها ثم شطب على قبوله، كما قد يتم هذا التشطيب بحضور الحامل. وحتى يكون القبول المشطب عليه رفضا للكمبيالة، لا بد من توفر شرطين:
1- أن يشطب المسحوب عليه على القبول المثبت في الكمبيالة.
2- أن يقع التشطيب قبل أن تصل الكمبيالة إلى الحامل ما دامت الورقة لم تدخل بعد في الحيازة المادية والفعلية للحامل.
وبخصوص التشطيب على القبول، تطبق المحاكم في فرنسا مبدأ عدم الرجوع في القبول بكل صراحة، حيث " قضت بأن المسحوب عليه لا يمكنه أن يرجع في قبوله بعدما أرسل الكمبيالة المقبولة عن طريق البريد، وقام بسحب هذا القبول هاتفيا ولو أن هذا الرجوع جاء قبل وصول الورقة إلى يد الحامل[7]." وفي نظرنا، يجب أن يشمل هذا الحل حالة الرجوع عن طريق التلغراف أو الفاكس أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال الحديثة.
      تبدأ إجراءات تقديم الكمبيالة للقبول، بتحديد الشخص الذي يطلب القبول أو ذو الصفة في طلب القبول، وصاحب السلطة في التوقيع بالقبول. وفي بيان وقت طلب القبول والتعبير عنه. وتحديد مكان طلبه. كما يترتب عن ذلك مجموعة من الآثار سواء بين الحامل والمسحوب عليه. أو بين الساحب والحامل والمظهرين. أو بين الساحب والمسحوب عليه.
أولا: تقديم الكمبيالة للقبول،
     الأصل أن الحامل أو المستفيد حر في تقديم الكمبيالة إلى المسحوب عليه لقبولها أو عدم تقديمها ويعتبر هذا حقا للحامل وليس واجبا عليه، كما يفهم من مقتضيات المادة 174  من المدونة التجارة.  نفس المنوال ذهب عليه التشريع التجاري القطري من خلال مقتضيات
المادة 378 منه إذ "يجوز لحامل الكمبيالة أو لأي حائز لها ، حتى ميعاد الاستحقاق, تقديمها الى المسحوب عليه في موطنه لقبولها " إلا أن بعض مواد الأخرى من المدونة التجارة المغربية، ميزت بين الحالات التي يكون فيها الحامل مخيرا في التقديم وعدمه. ومن هناك يجب التقديم في حالات ثلاث، الحالة الأولى إذا تعلق الأمر الكمبيالة المستحقة بعد مدة من الاطلاع، أو الحالة إذا كانت الكمبيالة الموَطَّنـة . وهاتان أوجبهما القانون. أو الحالة الثالثة إذا اشترطه الساحب أو المظهر،
الحالة الأولى: الكمبيالة المستحقة بعد مدة من الاطلاع:
       يلزم حاملها تقديمها للمسحوب عليه داخل أجل سنة من تاريخ نشأتها. فبالاطلاع يعين   تاريخ استحقاقها. كما أجاز المشرع للساحب وللمظهرين التصرف في هذا الأجل بالزيادة أو النقصان. فالساحب يجوز له أن ينقص من هذا الأجل أو يزيد فيه. إلا أنه يجوز للمظهرين أن ينقصوا من هذه الأجل فقط، ويعتبر الحامل مهملا ويسقط حقه في الرجوع على الضامنين متى أخل بالمواعيد المحددة لتقديم الكمبيالة للقبول.
الحالة الثانية: الكمبيالة الموطنــــــــــة:
    تقدم أولا للمسحوب عليه ليُطلع عليها قبل أن تقدم في تاريخ الاستحقاق إلى الغير الذي سينوب عنه في الوفاء بها .
الحالة الثالثة: إذا اشترط الساحب التقديم للقبول:
     يجوز للساحب وللمظهر اشتراط التقديم للقبول،. كما لا يجوز للمظهر اشتراطه إذا اشترط الساحب عدَمَ التقديم. ويجوز أن  يقترن شرط التقديم بأجل أو لا يقترن به : فإن اقترن به قُدمت الكمبيالة للقبول داخله، . وإن لم يذكر قدمها الحامل للقبول إذا حل أجل استحقاقها. [8]
     وفي هذه الحالة يلتزم الحامل بتقديم الكمبيالة للقبول إذا اشترط الساحب ذلك في الكمبيالة ويسمى هذا الشرط بشرط القبول, وهو أحد الشروط الاختيارية التي يمكن إدراجها بالكمبيالة. وإذا لم يقم الـــحـــامــل بـتـقـديــم الكــمــبــيــالــــة للـــقــبــول عــــــلــــــى
 مقتضى الشرط، فإنه يعد حاملا مهملا ويسقط حقه في الرجوع على الموقعين على الكمبيالة عند عدم الوفاء في ميعاد الاستحقاق.
 كما يرد على هذه الحالات الثالثة استثناءات، إذ  تقديم الحامل للكمبيالة للقبول هو حق له وليس التزاما عليه. كما سبق الذكر، وطالما ان الامر لا يتعلق بالتزام على عاتق الحامل فأن عدم مطالبته المسحوب عليه بالقبول لا يؤدى الى اعتباره حاملا مهملاً بحيث يتعرض لخطر سقوط حقه،  ويرد الاستثناء في حالتين.[9]
الحالة الأولى: إذا تضمت الكمبيالة شرط عدم القبول:
      وفق مقتضيات المادة 174 ، يستنتج كون شرط عدم القبول قد يكون مطلقا غير محدد بوقت معين ، فلا يجوز للحامل تقديم الكمبيالة للقبول على الإطلاق ، وقد يكون مقيدا بفترة زمنية معينة كشهر من تاريخ سحب الكمبيالة, يسترد الحامل بعدها حريته في طلب القبول. وحرية الساحب في اشتراط عدم القبول ليست مطلقة حيث لا يجوز له إدراج مثل هذا الشرط في ثلاث حالات هي: إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع عند غير المسحوب عليه . أو إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع في جهة أخرى غير موطن المسحوب عليه. أو  إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع بعد مدة معينة من الاطلاع عليها .
      والحكمة في منع الساحب من إدراج شرط عدم القبول في الحالتين الأولى والثانية هي حماية الحامل وبث الطمأنينة في نفسه للحصول على حقه.  وأما الحالة الثالثة : فالحكمة في منع إدراج شرط عدم القبول في الكمبيالة واضحة ، حيث أنه لابد من تقديمها للمسحوب عليه للاطلاع عليها لتحديد ميعاد استحقاقها . فإدراج مثل هذا الشرط يتنافى وطبيعة بيانات هذه الكمبيالة .
الحالة الثانية: إذا كانت الكمبيالة واجبة الدفع بمجرد الإطلاع:
     فإنه يمتنع على حاملها تقديمها إلى المسحوب عليه لقبولها, لأن مجرد تقديمها للمسحوب عليه يجعلها واجبة الأداء فورا, فلا معنى إذن لاقتضاء قبولها ، ولا مصلحة للحامل  في ذلك .
ثانيا: ذو الصفة في طلب القبول
     نصت المادة 174 من مدونة التجارة، على أنه " يجوز لحامل الكمبيالة أو لمجرد الحائز لها أن يقدمها حتى تاريخ الاستحقاق إلى المسحوب عليه في موطنه لقبولها..." ويتبين من هذا النص أنه يجوز تقديم الكمبيالة للقبول من حاملها أو من أي شخص آخر حائز لها. إذ ليس من الضروري أن يكون مقدم الكمبيالة مالكا لها. بل يكفي أن يكون مجرد حائز حيازة مادية ولو لم يكن مالكا لها أو وكيلا عن المالك.
      والمسحوب عليه غير ملزم بتقصي حقوق الحائز وفي شخصيته، والتحري عن مشروعية حيازته للكمبيالة، إلا في حالة ما أخطر من مالكها الحقيقي بضياعها أو سرقتها. وذلك لأن قبول المسحوب عليه للكمبيالة من أي حائز يقدمها للقبول لا يلزمه صرفيا إلا اتجاه الحامل الشرعي لها دون أي شخص آخر. ويكون له عند التقديم للوفاء يوم الاستحقاق أن يتأكد من هوية الحامل ومشروعية حيازته للكمبيالة،
ثالثا: ذو الصفة في القبول.
يطلب القبول من المسحوب عليه بطبيعة الحال، ولو كانت الكمبيالة موطنة لأن التوطين خاص بالوفاء وليس بالقبول. ويمكن أن يطلب كذلك من وكيل المسحوب عليه بشرط أن يكون مفوضا بالتوقيع بالقبول على الكمبيالة ويجب عليه أن يبرز عند توقيعه عليها صفته، وتنصرف الآثار الصرفية إلى الموكل مباشرة دون الوكيل، فيلتزم الموكل التزاما صرفيا كما لو كان هو الموقع على الكمبيالة تطبيقا للقواعد العامة. وإذا توفي المسحوب عليه، جاز أن يصدر القبول من الورثة جميعهم أو من أحدهم باعتبارهم خلفا عاما. ويجب أن يبرزوا صفتهم في صبغة القبول.[10]
رابعا: وقت التقديم للقبول
    يمكن للحامل أن يتقدم للمسحوب عليه مطالبا بالقبول في أي وقت يبدأ من تاريخ إنشاء الكمبيالة. أو حصول الحامل عليها. حتى ميعاد استحقاقها. وبذلك لا محل للقبول قبل إنشاء الكمبيالة، أو بعد ميعاد الاستحقاق. وذلك أن الإنشاء هو الذي يوجد الالتزام الصرفي ولا يتصور قبوله قبل وجوده. ولا يعتد بالقبول قبل إنشاء الكمبيالة من الناحية الصرفية. كما أن طلب القبول بعد تاريخ الاستحقاق لا فائدة منه في الوقت الذي حل فيه الوفاء. إذ يجب على الحامل لكي يحافظ على حقه في استيفاء قيمة الكمبيالة. أن يبادر إلى طلب المسحوب عليه بوفاء الكمبيالة. وعند امتناعه يحرر احتجاج عدم الوفاء، ثم يستعمل حقه في الرجوع على الموقعين. وقد ميز المشرع المغربي من خلال المادة 174 بين وقت التقديم للقبول بين الكمبيالة المستحقة بعد مدة من الاطلاع وغيرها من الكمبيالات.
فالنسبة للكمبيالة المستحقة بعد مدة من الاطلاع، يجب أن تقدم للقبول داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ تحريرها ويجوز للساحب أن ينقص من هذا الأجل أو يزيد فيه، بينما لا يجوز للمظهرين إلا تقصير هذه المدة فقط.
أما باقي الكمبيالات الأخرى، أي المستحقة بعد مدة من تاريخ الإنشاء، والمستحقة في تاريخ معين، والمستحقة بمجرد الاطلاع . فيكون  لحائزها تقديمها للقبول في أي وقت يشاء ، ما بين تاريخ الإصدار وتاريخ الاستحقاق . فإن لم تقدم في هذه الفترة، فعلى الحامل طلب الوفاء بها يوم الاستحقاق. وإذا كان الأصل أن تقدم الكمبيالة للقبول في اي وقت بين تاريخ الإنشاء وتاريخ الاستحقاق، فإنه يجوز للساحب أو أحد المظهرين أن يشترط تقديم الكمبيالة للقبول خلال فترة معينة أو عدم تقديمها قبل تاريخ معين.
وقد أوجب المشرع في المادة 176 من مدونة التجارة ذكر تاريخ القبول باليوم الذي صدر فيه ما لم يطالب الحامل أن يؤرخ بيوم التقديم في حالتين وردتا حصراهما. إذا كانت الكمبيالة مستحقة الأداء بعد مدة من الاطلاع. أو إذا كانت الكمبيالة متضمنة بيانا اختياريا يقضي بوجوب أن تقدم للقبول داخل أجل معين.[11]
خامسا: وقت التعبير عن القبول
     يجوز للمسحوب عليه أن يطلب تقديم الكمبيالة له في اليوم الموالي لتقديمها للمرة الأولى إذن من حق المسحوب عليه أن تُقدم له الكمبيالة مرتين ، الأولى  عندما يأتيه بها حائزها أو حاملها طالبا قبولها. والثانية  عندما يطلبُ المسحوب عليه من الحامل إعادة تقديم الورقة له في اليوم الموالي  للتقديم الأول
     وقد أعطى المشرع للمسحوب عليه مهلة لمراجعة مستنداته وللتحري عن صحة البيانات المدرجة في الكمبيالة. ولا يحق للحامل رفض طلب المسحوب عليه تقديم الكمبيالة له ثانية . كما أنه ليس مجبرا على تقديمها له في المرة الثانية . وإذا لم يلبى طلب المسحوب عليه بتقديمها مرة ثانية لا يحق للحامل إقامة الاحتجاج، أما إذا قبل الحامل تقديمها مرة ثانية فيجب أن يكون ذلك لمدة لا تزيد أجل يوم واحد. ويمكن للمسحوب عليه أن يطلب من الحامل ترك الكمبيالة لديه لليوم الثاني، ولكن من حق الحامل قبول طلبه أو الرفض،
فإذا امتنع الحامل عن ترك الكمبيالة لدى المسحوب عليه خلال مهلة التفكير، حتى لا يحمل ذلك مثلا على الوفاء، فإذا هذ الامتناع لا يسقط حق الحامل في الرجوع الصرفي.
أما إذا قبل تركه لديه، فإن المسحوب عليه رد الكمبيالة عند انقضاء هذه المهلة مقبولة أو غير مقبولة. وإذا رفض المسحوب عليه هذا القبول عند تقديم الكمبيالة إليه مرة ثانية، وجب أن يذكر في الاحتجاج أن المسحوب طلب تقديم الكمبيالة إليه مرة ثانية، وعند إيجابته رفض قبولها، حتى لا يعتد الاحتجاج متأخرا.  ويقع على الحامل عبء الإثبات أنه سلم الكمبيالة للمسحوب عليه في التاريخ المحدد.[12]
سادسا : مكان التقديم للقبـول
    نص القانون من خلال المادة 174 من مدونة التجارة. على أن التقديم يكون في موطن المسحوب عليه. ولو كانت الكمبيالة واجبة الدفع في مكان آخر أو في موطن شخص آخر. ونميز في هذا الصدد، بين التاجر وغير التاجر فالأول تقدم له في محله التجاري ليتمكن من مراجعة مستنداته لتقرير التزامه بقبولها أو عدم قبولها. فإن لم يكن له محل تجاري قدمت له في محل سكناه. أما الثاني تقدم له في محل سكناه. وإن كن المسحوب عليه في سفر، فلا يعد ذلك رفضا يقيم به الحامل احتجاج عدم القبول. إلا أن الكمبيالة الموطنة تقدم للمسحوب عليه ليقبلها.
ولا يؤثر على ذلك كون الكمبيالة مستحقة الأداء في مكان آخر. إذ يظل طلب القبول واجبا مع ذلك في محل إقامة المسحوب عليه. لأن القبول يتعلق بالمسحوب عليه وحده. دون صاحب المحل المختار الذي تقتصر مهمته على دفع قيمة الكمبيالة فقط.[13]
تظهر آثار القبول في علاقة المسحوب عليه بالساحب و علاقة المسحوب عليه بالحامل وكدا علاقة الساحب بالحامل والمظهرين
  أولا: علاقة المسحوب عليه بالحامل  
 بالقبول يصبح المسحوب عليه المدين الأصلي بمبلغ الكمبيالة . ويصير الدين المُلتزم به دينا تجاريا، و لو لم يكن القابل تاجرا. كما يصبح المسحوب عليه أول من يُطالبه الحامل بالوفاء عند حلول أجل الاستحقاق. لأن توقيعه أنشأ الالتزام : وهو دليل أيضا على حصوله على مقابل الوفاء من الساحب . وفي حالة عدم وفائه يقوم الحامل بمحاسبته ولو كان الحامل هو الساحب نفسه. وعلى هذا سار الاجتهاد القضائي:
قرار المجلس الأعلى بتاريخ 21  أبريل 1976 :"إن المسحوب عليه بقبوله الكمبيالة يلتزم التزاما صرفيا بأداء قيمتها في تاريخ استحقاقها بين يدي الحامل الشرعي لها..." وفي قرار آخر قرار المجلس الأعلى بتاريخ 29 مارس 1986: "بالقبول يلتزم المسحوب عليه بوفاء قيمة الكمبيالة في تاريخ استحقاقها،  والثابت من الكمبيالة أن الطالبة هي المسحوب عليها والقابلة لها، لذا فهي تكون ملزمة بالوفاء إزاء الحامل".
ثانيا: علاقة المسحوب عليه بالساحب
تربط المسحوب عليه ـ سواء قبل الكمبيالة أم لم يقبلها ـ بالساحب علاقة تعاقدية لا علاقة صرفية  ويلتزم المسحوب عليه القابل إزاء الحامل والساحب بالوفاء يوم الاستحقاق. فإن لم يف تحمل الأضرار الناجمة عن رفض الوفاء لأن قبوله للكمبيالة قرينة دالة على حصوله على مقابل الوفاء من الساحب، ويمكنه إثبات عدم تلقيه مقابل الوفاء، أو أنه دفع مبلغ الكمبيالة للحامل على المكشوف . لأن عبء إثبات وجود أو عدم وجود مقابل الوفاء يقع على المسحوب عليه دون الساحب.  وإلى هذا ذهب قضاء المجلس الأعلى: قرار المجلس الأعلى بتاريخ 25 نونبر 1958: "إن قبول السفتجة يفترض وفقا للفقرة الرابعة من المادة 134 من قانون التجارة، وجود مقابل وفاء صحيح في العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه،  وعلى هذا الأخير إذن أن يثبت عدم وجود مقابل الوفاء لدفع دعوى الساحب. وعليه يعتبر خرقا للمادة أعلاه قرار المحكمة بقلب عبئ الإثبات"
ثالثا: علاقة الساحب بالحامل والمظهرين
   الأصل أن القبول لا يرتب أية آثار على العلاقة، ما بين الساحب و الحامل من جهة وبينه وبين المظهر من جهة ثانية.  لأن قبول المسحوب علية يبقى خارج هذه العلاقة أو النزاع: أي أن الساحب لا يمكنه أن يتخلص بالقبول من رجوع الحامل عليه .
كما أن القبول يحلل الساحب والمظهر  من ضمان القبول فقط : ولا يحللهما من ضمان الوفاء الذي يبقى قائما، والأثر الذي للقبول على ضمان الوفاء أن الحامل لا يستطيع الرجوع عليهم قبل تاريخ الاستحقاق وإنما بعده عندما لا يفي المسحوب عليه القابل بالمبلغ مع إثبات ذلك بواسطة احتجاج عدم الوفاء.[14]
الكمبيالة الغير مقبولة هي التي يمتنع المسحوب عليه التوقيع عليها بالقبول والالتزام بها، لأن المسحوب عليه يبقى شخصا أجنبيا عن الكمبيالة ما لم يوقع عليها.[15]
وإذا كان الأصل أن القبول غير إلزامي للمسحوب عليه، فإن السؤال الذي يطرح هو : متى يعتبر المسحوب عليه ممتنعا عن القبول، وماهي الآثار التي يرتبها على حقوق الحامل؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، سنبين حالات الامتناع عن القبول وآثاره.
القبول هو ذلك التعهد الحاصل على الكمبيالة والذي يلتزم بمقتضاه المسحوب عليه بأداء مبلغ الكمبيالة إلى المستفيد عند تقديمها له في ميعاد الاستحقاق[16].
والأصل أن المسحوب عليه حر في القبول أو عدمه سواء تسلم مقابل الوفاء من الساحب أم لا، وسواء كان ذلك لأسباب مشروعة أم لا، لأن القانون لا يلزم أحد بالتعامل بالكمبيالة، ولو كان مدينا فعلا بمبلغها، لكن يرد على هذا الأصل استثناءات.
وسنستعرض في البداية حالات الامتناع عن القبول ثم الاستثناءات الواردة عليه.
من حق المسحوب عليه فيما سوى حالة القبول الجبري رفض الكمبيالة للأسباب التالية :
1- الأصل أن القانون لا يلزم أحدا بالتعامل بالأوراق التجارية، إلا فيما يخص الاستثناء الخاص بالشيك.
2- لبطلان الكمبيالة إذا قامت على سبب غير مشروع.
3- قد لا يكون المسحوب عليه مدينا للساحب ولا يريد أن يمنحه انتمائه.
4- قد يكون مدينا له ولكن لا يريد الإلتزام بالكمبيالة، إن أراد تسوية دينه بغير الكمبيالة كالنقود أو الشيك، أو إذا حل أجل الاستحقاق، ليتفادى تعقيدات قانون الصرف.
5- إذا لم يقدم له الساحب مقابل الوفاء.
ويعتبر المسحوب عليه ممتنعا عن القبول في الحالات التالية :
1- إذا رفض بالتوقيع عليه لسبب من الأسباب.[17]
2- إذا وقع بالقبول جزئيا، ففي هذه الحالة يعتبر المسحوب عليه ممتنعا عن القبول بالنسبة للقدر الزائد عن القدر المقبول.
3- إذا علق قبوله على شرط، سواء كان هذا الشرط واقفا أو فاسخا.
4- إذا قبل الكمبيالة ثم شطب قبوله قبل ردها.
5- إذا قرن قبوله بتحفظ من شأنه أن يعدل الالتزام الثابت في الكمبيالة، أو يتضمن تحللا من التزامه القطعي بالوفاء قبل الحامل.
6- إذا رخص تسليم الحامل ايصالا بالكمبيالة المسلمة إليه، واختار أن يستقيها عنده مدة 24 ساعة التي منحها إياه القانون في حالة طلبة تقديم الكمبيالة له في اليوم الموالي لتقديمها للمرة الأولى[18].
يرد على حق المسحوب عليه في الامتناع عن القبول استثناءات يلزم فيهما المسحوب عليه أمام الساحب بالقبول، أولهما قانوني، والثاني اتفاقي.
1- الاستثناء القانوني
تنص المادة 174 في فقرتها التاسعة على أنه :" إذا كانت الكمبيالة قد أنشئت لتنفيذ اتفاق متعلق بتسليم بضائع ومبرم بين التجار، ونفذ الساحب الالتزامات المترتبة عليه في العقد، فإنه لا يجوز للمسحوب عليه أن يرفض قبول الكمبيالة بعد أن ينصرم الأجل الجاري به العمل في الأعراف التجارية بشأن التعرف على البضائع"[19].
يتبين من خلال المادة أعلاه أن قبول الكمبيالة يكون إلزاميا وواجبا على المسحوب عليه في هذه الحالة، ولكن بالشروط التي نصت عليها الفقرة أعلاه وهي :
- أن يكون الساحب والمسحوب عليه تاجرين.
- أن تسحب الكمبيالة بهدف تنفيذ اتفاق متعلق بتسليم بضائع.
- أن يكون الساحب قد نفذ التزامه أي سلع البضائع للمسحوب عليه.
- أن تعطي للمسحوب عليه مهلة معقولة حسب العرف التجاري، وذلك قصد التعرف على البضائع.
فمتى توافرت هذه الشروط فإن المسحوب عليه لا خيار له، بل يصبح ملزما بقبول الكمبيالة أما ما عدا هذه الحالة فإن المسحوب عليه حر في قبول الكمبيالة أو رفض قبولها حتى وإن كان قد استلم مقابل الوفاء.[20]
2- الاستثناء الاتفاقي
ويكون في حالة تعهد المسحوب عليه بمقتضى اتفاق خاص مع الساحب بأن يقبل جميع الكمبيالات التي يسحبها له هذا الأخير، وغالبا ما يتخذ هذا الاتفاق صورة فتح اعتماد من جانب البنك لزبونه في حدود مبلغ معين، والتزام البنك بقبول ما يسحبه عليه الزبون من كمبيالات في حدود هذا المبلغ مقابل فوائد يتفق عليها.
ولا يعد هذا الاتفاق بذاته بمثابة قبول للمسحوب عليه ول تنشأ عنه التزامات صرفية على عاتق هذا الأخير، لأن القبول السابق لإنشاء الكمبيالة لا يعتد به كقبول صحيح، بل ينطوي على تعهد بالقبول، ويكون المسحوب عليه ملزما بتنفيذه على أساس الاتفاق لا على أساس صرفي.
إذا قام المسحوب عليه بقبول الكمبيالات المحررة عليه من قبل الساحب تنفيذ الاتفاق، أصبح ملتزما نتيجة هذا القبول إلزاما صرفيا وإذا نكل عن ذلك، جاز للساحب أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الذي لحق به من جراء عدم  تنفيذ الاتفاق.[21]

الأصل أن المسحوب عليه غير ملزم بقبول الكمبيالة حيث له الاختيار في القبول أو عدم القبول، سواء أكان له أن تلقى مقابل الوفاء من قبل الساحب أو لا. كما أن تقديم الكمبيالة للقبول هو الآخر أمر اختياري فقد يكتفي الحامل بالضمان الذي يوفره الساحب والموقعين، فينتظر حلول أجل الاستحقاق. أما إذا اختار تقديم الكمبيالة للقبول فرفض المسحوب عليه قبولها، حق له تحرير احتجاج بعدم القبول، وبالتالي الرجوع على الضامنين قبل أجل الاستحقاق، إذن في هذا المنطلق المسحوب عليه حر في رفض القبول بحيث لا يكون ملزما بالوفاء بمبلغ الكمبيالة. ما دام لم يوقع عليها بالقبول. بل يبقى حصيرا في الالتزام بالورقة التزاما صرفيا. أو عدم التزامه بها سببه عدم تلقيه مقابل الوفاء من الساحب أو أنه يريد – بعد تلقيه هذا المقابل – أداء مبلغ الورقة بالطرق العادية لتسديد الديون، تفاديا للآثار والمسؤولية المترتبة على الالتزام بالوفاء عن طريق الكمبيالة [22] ، وعلى الرغم من حرية المسحوب عليه في قبول أو عدم قبوله الكمبيالة  فإنه يبقى ملزما بالقبول في حالة واحدة نصت عليها مدونة التجارة في المادة 174.
وترتب عن رفض القبول عدة آثار بالنسبة للمسحوب عليه من جهة وللموقعين على الكمبيالة من جهة ثانية.
عندما يمتنع المسحوب عليه عن قبول الكمبيالة، فإنه يرفض أن يكون ملزما بمقتضى التزام صرفي. لكن هنالك حالة واحدة يبقى المسحوب عليه ملتزما وهي الحالة التي نصت عليها الفقرة التاسعة من المادة 174 من مدونة التجارة وذلك طبق الشروط التالية :
1- أن يكون الساحب والمسحوب عليه تاجرين.
2- أن تسحب الكمبيالة بهدف اتفاق خاص بتسليم سلع.
3- ألا يكون الساحب سلم السلع للمسحوب عليه.
4- ألا يعطي للمسحوب عليه أجلا معقولا حسب العرف التجاري بشأن الكشف على السلع.
فبتوفر هذه الشروط يصبح المسحوب عليه ملزم بقبول الكمبيالة (أو ما يسمى بالقبول الجبري) ولكن باستثناء هذه الحالة المنصوص عليها صراحة في المادة المذكورة أعلاه. يبقى المسحوب عليه حرا في قبول أو عدم قبول الكمبيالة، إلا أنه يكون ملتزما التزاما مدنيا اتجاه الساحب إذا استلم مقابل الوفاء. فيكون من حق الساحب أن يثبت في هذه الحالة أنه قدم مقابل الوفاء للمسحوب عليه ويكون ذلك بمقتضى القواعد المدنية وليس بموجب القانون المصرفي. ومن ثم فإنه من حق المسحوب عليه مواجهة الحامل بالدفوع المستمدة في علاقته بالساحب.
إذن من خلال هذه العلاقة يبقى المسحوب عليه الغير قابل شخصا أجنبيا عن الكمبيالة وغير ملتزم بها ولا يملك الحامل حق الرجوع الصرفي على المسحوب عليه بناء على قواعد قانون الصرف.
غير أنه إذا كان المسحوب عليه قد تلقى مقابل الوفاء جاز للحامل باعتباره ملاكا لهذا المقابل بنص القانون مطالبته بعد إثبات وجوده، وهو بذلك لا يستعمل الحق الناشئ عن الكمبيالة، بل الحق الخارج عن نطاقها وهوما يمثل مديونية المسحوب عليه.
الحالة التي يرفض فيها المسحوب عليه قبول الكمبيالة يسقط أجل الاستحقاق وبالتالي يحق للعامل أن يرجع فورا على جميع الموقعين دون أن ينتظر آجال الاستحقاق، لأنهم ضمنوا له بتوقيعهم على الورقة القبول والوفاء وبالتالي أصبحوا مسؤولين بالتضامن عن عدم قبول الكمبيالة أو وفائها.
ويحق للحاصل أن يرجع على الساحب والمظهر فيه والضامن الاحتياطي [23] بمجرد رفض القبول من طرف المسحوب عليه وقبل حلول تاريخ الاستحقاق غير أنه يجب على الحاصل في هذه الحالة أن يتخذ الاجراءات المتمثلة خاصة في إقامة احتجاج عدم القبول.[24] ماعدا إذا تضمنت الكمبيالة بيان الرجوع بدون احتجاج وكذلك توجيه إعلام بذلك [25]، وإلا أصبح الحامل مهملا وسقط حقه في متابعة الموقعين على الكمبيالة، باستثناء الساحب إذا لم يسبق له أن قدم مقابل الوفاء طبقا لما تنص عليه المادة 206 من مدونة التجارة بعد اتخاذ هذه الاجراءات بحق الحامل، أن يرفع الدعوى على جميع الموقعين على الكمبيالة فرادى أو جماعة دون أن يكون ملزما باتباع الترتيب الذي صدر به التزامهم ما لم يكن أحدهم قد أعطى نفسه من ضمان القبول أو الوفاء.[26]


من خلال ما سبق، يظهر أن المشرع المغربي قد حاول توفير نوع من الحماية لحامل الكمبيالة الغير المقبولة، وذلك بتمكينه بمجموعة من الضمانات القانونية وذلك رغبة منه في الحفاظ على استمرارية الكمبيالة كورقة تجارية في أداء وظيفتها الائتمانية.
ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع بالمشرع المغربي ، إلى إدخال مجموعة من التعديلات على القانون التجاري ـ الأوراق التجارية ـ المأخوذ من قانون جنيف.
-------------------------------------------------------

*       المختار بكور، الأوراق التجارية في القانون المغربي (الكمبيالة – الشيك)، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الثانية 2011.
*       خالد الشاوي، الأوراق التجارية في التشريعين الليبي والعراقي، منشورات جامعة قاريونما، بنغازي، الطبعة الثالثة 1988.
*       د . كمال بلحركة   الكمبيـالـة (7) (القبــول)  كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية جامعة ابن زهر ـ  أكادير الموسم الجامعي: 2009 ـ 2010.
*       محسن شفيق القانون التجاري المصري.
محمد الشافعي، رفض قبول الكمبيالة، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن. العدد 38 – 2002.
*       محمد الصباب، "قبول الكمبيالة في القانون المغربي"، رسالة السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، الرباط 1982،
*       محمد مؤمن: أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي، دراسة لأحكام الكمبيالة والسند لأمر وفتح الاعتماد، والخصم، والشيك، والتحويل البنكي، والاشعار بالاقتطاع، والبطاقات البنكية.




[1]- محسن شفيق القانون التجاري المصري، ص : 626.
[2]- المادة 176 من ق.ت.ج "يجب أن يكون القبول ناجزا...".
[3]- (يكتب القبول على الكمبيالة ذاتها، ويعبر عنه بلفظة "قبل" أو بأي لفظة أخرى مرادفة لها، ويوقع من طرف المسحوب عليه. إن مجرد توقيع المسحوب عليه على صدر الكمبيالة يعتبر قبولا)
[4]- الفقرة الأولى من المادة 176 من مدونة التجارة.
[5]- المجلس الأعلى، قرار بتاريخ 14 يناير 1998، مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 35-54 / 1999، ص: 214.
[6]- أنظر: محمد الصباب، "قبول الكمبيالة في القانون المغربي"، رسالة السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، الرباط 1982، ص: 120.
[7]   DIJON, 14 mars 1967, J.C.P. 1968.II. Rev. Banque 1967 p : 419 -
[8] ذ. محمد نؤمن: أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي، دراسة لأحكام الكمبيالة والسند لأمر وفتح الاعتماد، والخصم، والشيك، والتحويل البنكي، والاشعار بالاقتطاع، والبطاقات البنكية. ص: 116، 117
[9] www.kamalenet.com le jeudi 30 mai 2013. à 23:55
[10] ذ. محمد مؤمن، مرجع سابق. ص: 120
[11] محمد مؤمن، مرجع سابق. ص: 121، 122
[12] د كمال بلحركة   الكمبيـالـة (7) (القبــول)  كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية جامعة ابن زهر ـ  أكادير الموسم الجامعي: 2009 ـ 2010, ص: 97
[13] د كمال بلحركة  مرجع سابق ص: 99
[14] د كمال بلحركة  مرجع سابق ص: 120
 [15] - المختار بكور، الأوراق التجارية في القانون المغربي (الكمبيالة – الشيك)، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الثانية 2011، ص : 99.
[16]  - محمد مومن، مرجع سابق ، ص : 127.
[17]  - خالد الشاوي، الأوراق التجارية في التشريعين الليبي والعراقي، منشورات جامعة قاريونما، بنغازي، الطبعة الثالثة 1988، ص : 211.
 - محمد مومن، مرجع سابق، ص : 128.[18]
[19]  القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 196.83 المؤرخ في 15 ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 3 أكتوبر 1996، ص : 2187.
[20]  - المختار بكور، مرجع سابق، ص : 113.
[21]- محمد مومن، مرجع سابق، ص : 179.
 - انظر محمد الشافعي، رفض قبول الكمبيالة، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن. العدد 38 – 2002، ص : 7.[22]
[23] - قرار المجلس الأعلى (الغرفة الإدارية) صادر في فاتح غشت 1981، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، العدد 5 – 1979، ص : 132.
 [24] - الفقرة الثالثة من المادة 197 من مدونة التجارة.
[25]  - المادة 199 من مدونة التجارة.
[26]  - المادة 201 من مدونة التجارة.

من أجل تحميل هذه الرسالة - إضغط هناك