المؤسسات الدينية بالمغرب وتدبيرها لأزمة جائحة كورونا - رشيد أبضار

   

المؤسسات الدينية بالمغرب وتدبيرها لأزمة جائحة كورونا

Religious institutions in Morocco and their management of the Corona pandemic crisis

 رشيد أبضار / طالب باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية

Rachid Abdare

 


مقدمة:

كان لمختلف المؤسسات الدينية بالمملكة المغربية أدوارا طلائعية لمواجهة الكثير من المخاطر، وخاصة بعد انتشار جائحة وباء كورونا[1] الذي اجتاح العالم، فمنذ ظهوره تجندت له الدولة المغربية بمختلف مكوناتها، وسخرت جهودها الفردية والجماعية من أجل مواجهة الوباء  ومنع انتشاره، وكل هذه التدابير كانت بقيادة الملك باعتباره يجمع بين الصلاحيات الدينية والسياسية، على غرار ما هو سائد ومعروف في الدول ذات الأنظمة الملكية، التي يسود فيها الملك ولا يحكم، إلا أنه قد يتم تفسير استثنائية المملكة المغربية بالحضور القوي للدين، وذلك من خلال تميزه بالرمزية الدينية تتجلى في كونه أميرا للمؤمنين، إلى جانب الرمزية السياسية لكونه رئيس الدولة، وهذا يظهر في كثير من المقتضيات الدستورية، وقد حظي بكثير من النقاشات الفكرية والفقهية على مستوى التنظير الدستوري، ولأول مرة في التجربة الدستورية المغربية، ينص الدستور صراحة على صفة الملك كرئيس للدولة، وقبل ذلك كان على الباحثين التمييز بين صلاحيات وسلط  الملك كأمير المؤمنين، وبين صلاحياته وسلطه كملك دستوري[2]،

 وقد ساهم هذا الاختيار إلى حد كبير في تأطير سياسة الدولة وضمان استقرار النظام السياسي المغربي، في كل الظروف والأزمات التي مرت على مدار التاريخ، والتي عان منها المواطن المغربي، وخاصة عند انتشار وباء كورونا وما خلفه من مخاطر عديدة أدى ذلك إلى تأزم الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وحتى على مستوى العلاقات الدولية، مما جعل الكثير من المؤسسات الدستورية تعمل على تدبير جائحة كورونا، والتخفيف من أزمتها على جميع المستويات، وإلى جانبها المؤسسة الملكية ومؤسسة المجلس العلمي الأعلى التي كانت على توافق تام مع باقي التدابير السياسية  والاحترازية لمنع انتشار الوباء، فكانت الرؤية الملكية رؤية شمولية  ساهمت بشكل كبير في ممارسة دور الأب الراعي أو الملك الراعي،

كما تم فرض مجموعة من القوانين التشريعية، والفتاوى الشرعية والتي بدورها أعانت على الإجابة عن كثير من التساؤلات الشعبية، مما كان لزاما على الحقل الديني التدخل في السياسية التدبيرية، لما يحمل في طياته من الحمولة الدينية لتلبية التساؤل العقدي والديني حول مواجهة جائحة كورونا، لهذا فقد كانت لهذه المؤسسات الدينية أدورا طلائعية هامة قد برزت  في تدبير هذه الأزمة التي خلفها فيروس كوفيد19 العالمي،

فإلى أي حد استطاعت تجربة المؤسسات الدينية (إمارة المؤمنين والمجلس العلي الأعلى) تدبير مخاطر جائحة كورونا بالمغرب؟   

 للإجابة عن هذه الإشكالية يمكن الاعتماد على التصميم التالي:

المبحث الأول: إمارة المؤمنين وتدبيرها لجائحة كورونا

الفرع الأول: من خلال الوظيفة الدينية

الفرع الثاني : من خلال الوظيفة السياسية

المبحث الثاني: المجلس العلمي الأعلى وتدبيره لجائحة كورونا

الفرع الأول: التأطير الدستوري للمجلس العلمي الأعلى

الفرع الثاني: دور المجلس العلمي الأعلى في تدبير جائحة كورونا


 

المبحث الأول: إمارة المؤمنين وتدبيرها لجائحة كورونا

إن الحديث عن السياق التاريخي الذي كان مواكبا لفكرة إمارة المؤمنين، ودورها في تدبير الجوائح والأزمات وخاصة بعد انتشار هذا الوباء العالمي، وللغوص في غمار هذه الأدوار لا بد من إعطاء نبذة تاريخة عن إمارة المؤمنين في النظام السياسي المغربي، فمنذ بداية المسألة الدستورية إبان الاستقلال وإلى اليوم، فإن موضوع مكانة المؤسسة الملكية في الإصلاح السياسي والدستوري، غالبا ما يكون محتلا مكانة الصدارة[3]،

 ويمكن  أن تكون قد احتلت هذه المكانة بفعل ميزان القوى الذي أهلها إلى احتكار ما يمكن أن نسميه حقيقة السلطة، التي هي في جوهرها، ليس سوى السلطة التي تحتكرها المؤسسة الملكية[4]، فكان لهذا التوجه والاختيار الدستوري الأثر الكبير في ضمان استقرار النظام السياسي المغربي، وما صحبه من تدبير حازم لكل المخاطر والأزمات التي تخلق أجواء متوترة داخل الدولة، مما يستدعي تدخل المؤسسة الملكية لما لها من ازدواجية في الوظائف الدينية والسياسية لتهدئة الأوضاع داخل البلاد على مدى من الزمان، والعمل على إنقاد الدولة من الأزمات وتدبير المخاطر التي تهدد الحياة العادية للمواطن، وخاصة عقب ما عرف من  تفشي وياء كورونا،

 ليتم طرح سؤال مفاده إلى أي حد ساهمت المؤسسة الملكية بوظائفها المزدوجة في تدبير أزمة جائحة كورونا؟

الفرع الأول: من خلال الوظيفية الدينية.

إن من الخصائص أو المرجعيات  التي تتسم بها المؤسسة الملكية هي مرجعية الدين والتي دائما كانت تشكل مركز قوة لدى المؤسسة الملكية، مما جعلها سهلة القبول لدى عامة الشعب المغربي، لا نجذابه إلى الدين الإسلامي، كما أن المسار التاريخي للمؤسسة الملكية كان دائما على توافق مع الاختيارات الشعبية، ويعتبر أيضا المنحى الذي اتجه فيه دستور 2011 للتمييز بين الصلاحيات الملكية المستمدة من حقل إمارة المؤمنين المعبرة عن البراديغم التقليدي، المؤطر لهيكل الدستور المغربي ثم الصلاحيات الملكية المستمدة من البراديغم المعاصر، التي تعتبر من أهم مستجداتها، بخلاف الدساتير السابقة، النص على رئاسة الملك للدولة[5]، فظاهرة سمو المؤسسة الملكية ترتكز على المعطيات الدينية والتاريخية، وحتى المعطيات السوسيولوجية للشعب المغربي[6]،

وخلاصة القول أن أي تأويل للنصوص الدينية ونشر التعاليم الدينية وتكوين الأئمة، لا يتم إلا بواسطة القرارات والتعليمات الصادرة عن أمير المؤمنين[7]،  ولعل من أبرز الوظائف الدينية لإمارة المؤمنين ما يلي:

§       رئاسة المجلس العلمي الأعلى والإشراف العام على هيئة الإفتاء.

§       التعيين في الوظائف الدينية (وزير الاوقاف والشؤون الإسلامية- الامين العام للمجلس العلمي الأعلى...)

§       الحضور الشخصي في المناسبات ذات الطابع الديني، حضور صلاة الجمعة، إحياء ليلة القدر، ترؤس الدروس الحسنية الرمضانية، القيام بشعائر ذبح الأضحية وتدشين المساجد.

§       رئاسة اللجنة المكلفة بالحج والدعوة للاستسقاء في فترات الجفاف.

§       التشريع والتنظيم في الحقل الديني بواسطة الظهائر.

§       إرسال ممثليه من الديوان الملكي لحضور المواسم الدينية وزيارة الزوايا والأضرحة

§       السهر على التجديد السنوي لمراسيم وطقوس البيعة

وهذا ما جسد المكانة الدينية للمؤسسة الملكية في تدبير جائحة كورنا لما تتمتع به من صلاحيات واسعة، كان لها الدور في إيجاد مخرج للتساؤلات الشعبية، وتحريك الفكر الديني في مسألة فقهية الوباء، الذي أبان عن حنكته وحكمه الراشد المعقلن في إعطاء تعليمات سامية كان الهدف من ورائها زرع السكينة والطمأنينة في أفراد المجتمع المغربي، في كيفية ممارسة الشعائر الدينية على الوجه اليسير انطلاقا من حفظ الأبدان أولى من حفظ الأديان، فبصفته رئيس المجلس العلمي الأعلى،[8] هو الذي سهر على إصدار الفتاوى من الهيئة العلمية، مما يعكس الدور الجلي لمؤسسة إمارة المؤمنين في تدبير كثير من القضايا التي تهم جميع المجالات وخاصة المجال الديني،  فكانت هذه بمثابة دور الإمام القائد، لما في ذلك من أبعاد دينية تتجسد في شخصيته كونه أميرا المؤمنين، وذلك في تدبير شؤون المملكة المغربية.

الفرع الثاني: من خلال الوظيفة السياسية

تعطي الدساتير لرئيس الدولة سلطات واسعة، لكي يتمكن من مواجهة الأوضاع الغير العادية، التي تهدد أمن الدولة وسلامة البلاد، وذلك وقت تعرض الدولة لظروف غير عادية، بحيث أن الإجراءات المتخذة في ظل الأوضاع العصيبة التي تجتازها البلاد، تغدو مبررة ومشروعة حتى وإن كانت متعارضة مع قواعد المشروعية العادية[9].

ويتضح هذا من خلال المكانة  السياسية التي تهيمن عليها للمؤسسة الملكية، وذلك باعتبار الدولة المغربية دولة مكتملة الأركان ولها مقومات الدولة الحديثة، وتجدر الإشارة إلى أن الملك يحظى بكثير من الصلاحيات في الظروف العادية وغير العادية، سواء في المجال التشريعي والدبلوماسي، وأيضا في المجال القضائي والإستثنائي ويمكن تعريف  الاستثناء بأنه الحالة التي يتناول فيها الملك اختصاصات واسعة لا يشترط فيها التطابق التام مع مبدأ المشروعية[10]،

ويعتبر دستور 2011 تكريسا للخطاطة الهرمية الموجهة لصناعة القرار السياسي في المغرب منذ 1962 فهذا التموضع يمنح لرئيس الدولة الذي هو الملك توجيه الحياة السياسية واتخاذ القرارات التدبيرية اللازمة في كافة مجالاتها مهما كبر شأنها أو صغر، وقد أثبتت الممارسة السياسية التدخل المباشر للملك لحل قضايا عجزت الحكومة على اتخاذ أي خطوة بشأنها[11].

ويتجلى هذا صراحة في دور القيادة السياسية لرئيس الدولة تجاه تدبير مخاطر أزمة جائحة كورونا، وهذا يستدعي استحضار التوجهات السياسية للتخفيف من الوضع المحرج للدولة المغربية بما في ذلك إقدام السلطة التنظيمية على الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية[12]، كما أشار بذلك في خطابه: (فقد تمكنا خلال هذه الفترة، بفضل تضافر جهود الجميع، من الحد من الانعكاسات الصحية لهذه الأزمة، و من تخفيف آثارها الاقتصادية والاجتماعي، وفي هذا الإطار، قامت الدولة بتقديم الدعم لفئات واسعة من المواطنين[13]).

     ويتضح من هذا الخطاب الملكي السامي كاعتراف وإقرار بأن المملكة المغربية أبانت عن دورها في تدبير جائحة كوفيد19، وأن التجربة المغربية ملكا وشعبا جسدت روح التضامن والتعاون، وشكلت درعا واقيا للبلاد والعباد، كما تجلت حكمته الرشيدة في حرصه الكبير على حماية الملة والدين، وحماية الأمن الإجتماعي والإقتصادي لرعاياه،

فقد ساهم بإطلاق مبادرات وطنية لإعانة الفئات المتضررة من الأزمة الوبائية، والفئات الهشة في المجتمع المغربي، وتجسد هذا في قيامه بإنشاء صندوق التضامن يشمل تبرعاته المالية إلى جانب وفد من الشخصيات البارزة المجتمع المغربي، مما أضفى تلاحما وتضامنا بين كل مكونات المجمتع المغربي، تحت القيادة الرشيدة والحكمة الملكية في تحمل مسؤولياته تجاه المواطنين، بالإضافة إلى توزيع إعانات مادية لكل الفئات المتضررة من أزمة جائحة كورونا، وإعفاء مكتري المحلات التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما عمل على تسخير كل جهوده بإعطاء تعليمات تعزز من وضع حد لانتشار الوباء وتجهيز كثير من المستشفيات الميدانية والمحلية، من أجل تفادي تفاقم مخاطر هذه الجائحة، لأن غياب هذه التدابير قد يزداد الوضع معه سوءا، مما سيشكل تهديد وترويعا للأمن المجتمعي أو خطرا على سلامتم الجسدية، بل قد يمتد هذا الخطر ليشكل تهديدا حقيقيا للوجود البيولوجي لمجموعة من الناس أو لكل الناس، الشئ الذي يفرض ألا يتم التعامل مع هذه الظرفية العادية وتكون بالتالي هناك حاجة لاتخاذ تدابير استعجالية وغير مألوفة، لأن سلامة الشعب فوق القانون[14].

    وإذا كانت هذه المبادرات التي عمل عليها من جانب إصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وحتى البعد التربوي لرعيته ويتجلى هذا بوضوح في خطابه:

(ولكن مع الأسف، لاحظنا مع رفع الحجر الصحي، أن عدد المصابين تضاعف بشكل غير منطقي، لأسباب عديدة، فهناك من يدعي بأن هذا الوباء غير موجود؛ و هناك من يعتقد بأن رفع الحجر الصحي يعني انتهاء المرض؛ وهناك عدد من الناس يتعاملون مع الوضع، بنوع من التهاون والتراخي غير المقبول، وهنا يجب التأكيد على أن هذا المرض موجود؛ و من يقول عكس ذلك، فهو لا يضر بنفسه فقط، و إنما يضر أيضا بعائلته وبالآخرين[15])، يتضمن هذا المقتطف بعدا تربويا، وتأنيبا لبعض من خالف سلوك الجماعة، في أخذه بالتدابير الوقائية، وفيه إشارة إلى تصحيح معلومات بشأن من يعتقد بأن الوباء غير موجود، وتذكير بأن الفرد معلق بالجماعة، يصيبهم ما أصابه، والضرر يعود على المجتمع بأسره، فالخطاب كان بمثابة تأنيب الأب لابنه الذي خالف تعاليمه واستهتر بها، فرغبته في إصلاح السلوك التربوي حاضرة بقوة في الخطاب وحرصه على تفعيل دور الناظر الأعلى كما هي عادة السلاطين.



[1] -- يعتبر فيروس كورونا نوعا من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنافسي، وقد ظهر أول الأمر في مدينة ووهان بجمهورية الصين الشعبية في دجنبر 2019، كما أن المغرب سجل بدوره أول إصابة بالفيروس حسب المصادر الرسمية بتاريخ 2 مارس 2020

[2]- حسن طارق، الربيع العربي والدستورانية، قراءة في تجارب المغرب-تونس-مصر، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الاولى ،2014ص:121

[3] نجيب جبري، وظيفة المؤسسة الملكية في النسق السياسي والدستوري المغربي في شرعنة المحاولة السياسية في الإشهار بالفصل 19، منشورات مجلة الحقوق المغربية العدد الثاني، أبريل 2011 – ص103

[4] علي كريمي، أسئلة الانتقال الديمقراطي في المغرب، قضايا في الإصلاح السياسي والدستوري، الطبعة الأولى 2005،ص: 102

[5]- عبد الاله سطي، صناعة القرار السياسي، بحث في المؤسسة والمؤسساتية، بالنظام السياسي بالمغرب،، دار نشر المعرفة الرباط، طبعة2011 ص:76

[6] - أمينة المسعودي، التوازن بين السلطات الدستورية، في الدساتير المغربية الثلاث، رسالة لنيل ديلوم الدراسات العليا، في القانون العام لسنة 1984، كلية الحقوق الرباط، ص:103

[7] - عبد الإله سطي، نفس المرجع السابق ص:74

[8] يتكون من جلالة الملك رئيسا، ثم من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم بعض كبار العلماء يعينون مباشرة بصفة شخصية من الملك باعتباره أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، ثم رؤساء المجالس العلمية المحلية.

[9]- مصطفى قلوش، مصطفى قلوش، التأصيل الفقهي لبعض الإشكاليات الدستورية، ، مكتبة دار السلام، الرباط،  1998،ص:155

[10] - نفس المرجع السابق ص :165

[11] عبدالاله سطي، نفس المرجع السابق، ص:77

[12] - 19 مارس2020، إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020، على الساعة السادسة مساء، لأجل غير مسمى كوسيلة لا محيد عنها لإبقاء هذا الفيروس تحت السيطرة، حسب بلاغ لوزارة الداخلية للمواطنات والمواطنين، بشأن إعلان حالة الطوارئ الصحية. نقلا عن مؤلف جماعي، تنسيق عبد الرحيم العلام، حالة الطوارئ الصحية، - التدابير القانونية والاقتصادية والسياسية وأبعادها، منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث، مطبعة قرطبة أكادير، 2020، ص 152

[13] مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعبن بتاريخ 20 غشت 2020

[14] المؤلف الجماعي، تنسيق عبد الرحيم العلام، نفس المرجع السابق، ص 21

[15] مقتطف من نفس  الخطاب الملكي السابق


من أجل تحميل هذا المقال كاملا - إضغط هنا أو أسفله على الصورة

قانونك


من أجل تحميل هذا العدد التاسع -إضغط هنا أو أسفله على الصورة

مجلة قانونك - العدد الثالث