" القطاع الخاص والحكامة :الترابطات الممكنة "


" القطاع  الخاص والحكامة :الترابطات  الممكنة "

قانونك
" القطاع  الخاص والحكامة :الترابطات  الممكنة "


" القطاع  الخاص والحكامة :الترابطات  الممكنة "
محمد البكوري
 دكتور في الحقوق،
 باحث في الحكامة والمجتمع المدني.

يختلف  تعريف  القطاع  الخاص  بحسب  الغاية  من التعريف.  اقتصاديا، يعرف القطاع الخاص أو قطاع الأفراد، بأنه القطاع  الذي يشمل الأنشطة  الاقتصادية  كلها  التي تأخذ مكانها  في حيز جغرافي  معين باستثناء  الأنشطة  الحكومية، أو ذلك الجزء  من الاقتصاد الذي لا تمتلكه الحكومة  أو مجموعة السلع  والخدمات التي ينتجها الأفراد والشركات الخاصة لأغراض الربح[1]. هكذا، يتحدد القطاع الخاص كمبدأ لتنظيم قاعدة النشاط الاقتصادي وتحريك دواليب الدورة الاقتصادية، حيث تعتبر الملكية الخاصة، على ضوء هذا المبدأ التنظيمي، عاملا  مهما وحاسما. وبذلك، تشكل الأسواق والمنافسة محركات حقيقية  للإنتاج[2].
ومن  ثم ، يطلق مفهوم "القطاع الخاص" على مجمل مجريات وأنشطة الاقتصاد الحر الذي يرتكز بالأساس، على آليات السوق الحرة وإواليات التنافس التام، لتحديد أسعار السلع والكميات والخدمات المنتجة والموزعة والمستهلكة. ويفترض وجود الاقتصاد الحر لزوما، عدم تدخل الدولة أو أي جهة أخرى في النشاط الاقتصادي، بشكل يتعارض مع  القواعد التي تقوم  عليها  اشتراطات المنافسة الحرة، بينما يشير مفهوم القطاع الخاص من حيث ارتباطه الوثيق بمستلزمات الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، إلى كونه  تلك السيرورة المتحركة، والتي تجري  في دواخلها عملية الموارد الإنتاجية، طبقا لما تمليه قوى السوق التلقائية، وليست إرادة السلطات الحكومية العامة. وبذلك، فالقطاع  الخاص، يضم في كنفه مختلف المؤسسات التي ينشئها رجال الأعمال أو الأفراد المستثمرون، بغية تحقيق غائية الربح، مما يؤسس لنمط حكامة جديد على ضوء هذا المكون من مكونات الحكامة، هو حكامة المقاولة  La Gouvernance d’Entreprise، والتي ظلت لوقت طويل منشأ تيمة "الحكامة" في حد ذاتها. فحكامة القطاع الخاص هنا، هي الرهان الأساسي، المساهم في الرفع من تدفقات الموارد المالية والأرباح المادية، وطنيا وأجنبيا، والقادر، وبكفاية وفعالية  فائقتين، على التخفيض من تكلفة عوامل الإنتاج[3] . وذلك،  من منطلق  الارتكاز على  المبدأ الاقتصادي المعروف " ضرورة تحقيق أكبر نسبة من الربح، بالاعتماد  على أقل  تكلفة".
من جهة أخرى، يمكن اعتبار القطاع الخاص كعنصر من عناصر الحكامة، منطلقا حقيقيا تشاركيا على مستوى العملية التنموية في تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث مافتئ القطاع الخاص في هذا الصدد، يحظى بمكانة مرموقة داخل منظومة الحكامة باعتباره فاعل غير مباشر وأحد الأعمدة الأساسية في تنزيل مقتضيات الحكامة على أرض الواقع، الأمر الذي يجعل منه آلية مهمة للمشاركة في التنمية، وخاصة في الدول النامية، التي  ترنو عبر تبنيها  للعديد  من الاستراتيجيات وإنجازها الكثير من الأوراش، تحقيق  مطمح ولوج نادي الدول الصاعدة. فالحكامة من المنظور الغائي، باعتبارها مجالات تبلور التنمية المستدامةSustainable Development، تجعل من القطاع الخاص عنصرا رئيسيا من عناصرها. هنا، تبرز أهمية مساهمة هذا العنصر في  الرفع من التمكينات الضرورية للسيرورة  التنموية. فدور القطاع  الخاص في مسار التنمية المستدامة حيوي إلى أبعد الحدود، حيث  التنمية لا تتوقف في حال  من الأحوال  كليا، على مايؤديه القطاع  العام من دور. لاشك  في أن للقطاع العام دورا أساسيا في التنمية، وكثيرا ما تكون مشاريع التنمية متوقفة على مبادرات منه، إلا أن القطاع  الخاص، وبخاصة حيث  الاقتصاد الوطني يصطبغ  بإسهام بارز من  جانب  هذا  القطاع، يؤدي دورا أساسيا في مسار التنمية الاقتصادية  والاجتماعية.[4]
على هذا الأساس، فتحقيق التنمية المستدامة لا يتحقق إلا بتضافر الجهود وتكامل الأدوار بين الدولة  بمختلف أجهزتها والقطاع الخاص الذي يعتبر اليوم، عنصرا شريكا لامحيد عنه في إرساء وتفعيل  معالم منظومة متطورة للحكامة.
وبذلك، سنجد أنه، وخلافا للفكرة المتداولة، فالقطاع العام ليس الفاعل الوحيد في مجالات السياسات العامة الأساسية، ومنها السياسات التنموية، والقطاع الخاص ليس فقط هو المتلقي السلبي لهذه السياسات، إذ أن الفاعلين في القطاع الخاص يلعبون أيضا  دورا هاما جدا في رسم السياسات العامة الأساسية،[5] حيث أنه ورغم أن الدولة تشكل أكبر قوة لتحقيق التنمية، فهي ليست الوحيدة في هذا المجال، فهناك تحول واضح في معظم دول العالم نحو الاعتماد على القطاع الخاص واقتصاديات السوق وتطبيق برامـج الإصلاح الاقتصادي، ذلك أن معظم الدول أصبحت تدرك أن القطاع الخاص يمثل المورد الرئيسـي للفرص التي تفتح المجالات الاقتصادية لتشغيل الأيدي العاملة على كافة مستوياتها، إضافة إلى تأهيلها لتحقيق النتائج الإيجابية التي تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ورفع مستوى المعيشة للمواطنين وتحسين مستوى الخدمات.
إن من التحديات الراهنة المطروحة على الدول السائرة في طريق النمو، خاصة  منها  التي  تصبو، وبكل إصرار وثقة،  إلى بلوغ مدارج الدول  الصاعدة ، وجوب دعم  السياسات التي  تحرص أشد الحرص على   تحريك  دواليب القطاع الخاص وإعمال أسس تنميته، مع توفير ضمانات المواكبة  والمصاحبة، من  خلال   إرساء منظومة  متكاملة ومتراصة من  المعايير المندمجة  والكفيلة  بتحقق ريادة هذا  القطاع، من قبيل  التدقيق والرقابة والتحفيز والشفافية والمسؤولية والمحاسبة، مع إخضاع كل من  الاقتصاد والأنشطة الإنتاجية عموما إلى عامل الكفاءة، أي كفاءة  التنظيم الإداري والأداء الوظيفي والمشتغلين في سياقاته،  علاوة  على سلامة وسلاسة  البيئة المؤسسية  التي تؤطر أهداف غالبية  الأنشطة  الإنتاجية. وذلك كله،  بغية جعل جميع شرائح  المجتمع، تستفيد وبأكبر قدر من العدالة والإنصاف،  من ثمار القطاع الخاص الكفء، الناجمة أساسا  عن قدرته الفائقة  في الرفع المستمر من  المؤشرات  الإيجابية  للنمو الاقتصادي  بشكل  عام.  ومن ثم، يصبح من الضروري تشجيع المشاريع الخاصة ودعمها لتصبح  أكثر تنافسية على مستوى  الأسواق الدولية  في ظل العولمة. وبذلك، تشترك نماذج  الحكامة  المختلفة في القول ب"المسؤولية المجتمعية"، من خلال  توسيع  دائرة  "أصحاب المصلحة Stake Holders "، لتشمل  الموظفين  والممولين والمجتمع  ككل[6]. حيث  ترتبط  هنا  فكرة  التنمية المستدامة  القانونية  والاقتصادية  مع تلك  السائدة  في إطار  المسؤولية  الاجتماعية للشركات /المقاولات) CSR (    Corporate  Social  Responsibility ،  بل  يمكن القول، أن  مجالات  المسؤولية  الاجتماعية للشركات /المقاولات  مازالت  تتشكل  وفق متطلبات  التنمية  المستدامة،  ولاسيما أن الشركات /المقاولات،  تعتبر الأداة الاقتصادية  الأكثر تعقيدا  وتأثيرا في  الاقتصادات) بناء وتحولا وازدهارا (.[7] إنه من المعروف  في  الأدبيات  الاقتصادية  "الملبرلة"، هو كون الرفع  المتواصل من  نسب النمو الاقتصادي  والمحافظة  "الرصينة" على البيئة السليمة في إنعاش الاقتصاد وضمان مجالات  اتساع القطاع الخاص والتأسيس للمشاركة الفعالة والمسؤولة في  نطاقات التجارة الدولية، لا يمكن تحقيقها من خلال تبني أوليات نظام السوق فقط، فالدولة  كمكون  آخر من مكونات الحكامة تستطيـع  بدورها تقوية وتطوير القطاع الخاص وإدامته، من خلال  دعوتها الدؤوبة إلى التوسل بالآليات التالية:
·        العمل  على خلق البيئة الاقتصادية الكلية، المندمجة، المستقرة والمتسمة بالكفاية  والنجاعة اللازمتين.
·       إدامة التنافسية في الأسواق، مع الحرص الحثيث على  توفير  كافة الشروط  المواتية  للتنافس وتيسير السبل  المرنة لإعمالها  الإيجابي وتفعيلها الفعال  في الممارسة.
·       التأكيد  على ضرورة  تبسيط قنوات  حصول  الفئات الفقيرة  الهشة والمهمشة  على الفرص والإمكانيات  الكفيلة بتوفير ضمانات أوفر لمساهمتها الإيجابية في تنمية المجتمع، وتحسين أنماط عيشها والرفع من مستويات دخلها. 
·       تعزيز  ودعم المشاريع التي تتيح إمكانيات أوسع  أمام  اليد العاملة  الكفاءة والعمل، باستمرار، على خلق فرص الشغل المنتج.
·        التأسيس  لعوامل جذب واستقطاب الاستثمارات، وعلى صعيد سائر الأنشطة الإنتاجية.
·       .المساعدة على نقل المعرفة والتكنولوجيا وضمان استفادة الجميع من  ثمارهما على قدم المساواة.
·       الالتزام الراسخ  بمبدأ حكم وسيادة القانون.
·        تبني التحفيز لتنمية الموارد البشرية والرفع من قدراتها التمكينية.
·       المحافظة على البيئة والسهر على تنمية الوعي  الأيكولوجي لدى الأجيال المتعاقبة.
·       الرفع من مستويات الشفافية ومحاربة  كل أشكال الفساد والريع الاقتصاديين والعمل، وبفعالية،  على الحد من انتشارهما واستشرائهما، خاصة في ظل الاقتصاديات الناشئة.                                             
  واستنادا إلى هذا التحديد، فإن الحكامة الجيدة كآلية تنموية تعطي دورا كبيرا للقطاع الخاص في إحداث النقلة النوعية على نطاق واسع داخل المجتمع، وفي لعب دور أساسي في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات بمستوياتها المختلفة الوطنية والجهوية والعالمية من خلال تكامل الأدوار بين الحكومة/القطاع الخاص والمجتمع المدني[8] .
 إن العالم، وماشهده من تطورات متلاحقة ومتسارعة، مست بالأساس،  بنيات  مجتمعاته،  نتيجة  هيمنة  مبدأ الشمولية، أخذ يتجه منذ  العقد الأخير من القرن الفائت وبداية  الالفية  الثالثة،  وبشكل  كاسح،  نحو اقتصاديات السوق،  مع مايعنيه ذلك، من إعطاء الأدوار الكبرى والطلائعية  للقطاع الخاص، كمكون  بارز من مكونات الحكامة، والحرص، بالموازاة مع ذلك، على  جعله  ينهل، وبقوة،  من المعين الذي لا ينضب لهذه الآلية، عبر المتح  الإيجابي، من أدواتها  وأساليبها الكفيلة بالاستجابة  الفورية والفعالة للمطالب الملحة  للمواطن "العالمي"، والذي أضحى  في الوقت  الراهن، أكثر اهتماما بطرق  التدبير الناجع والمشترك والمحوكم  لاحتياجاته، ومدى تمكن متخذي القرار  ومنفذي السياسات من بلورة  كل ذلك، وفق رؤية "معولمة" و"شمولية".  حيث يستطيع القطاع الخاص، في سياق هذه  الرؤية  المتطورة  مثلا، أن  يوفر معايير  الشفافية في الكثير من القطاعات، لقدرته على بث ونشر المعطيات وإصدار الإحصاءات والتقارير الدورية،  خاصة على مستوى تحليل ودراسة أبعاد وتجليات الظرفية  الاقتصادية وتسهيل الحصول على المعلومات. وهنا، تشترك نماذج  الحكامة المختلفة  في السعي  الحثيث إلى تحقيق  الشفافية  والمحاسبة، عبر قوانين  الإفصاح Disclosure   واستحداث  الآليات  والهيئات  الرقابية  المختلفة  وإشراك أصحاب الأسهم  لشركات  القطاع الخاص في المعلومات كلها[9].  وذلك كله، بالنظر إلى اتساع نطاقات الأسواق العالمية المفتوحة وامتداد مجالات استخدامات التكنولوجيا الفائقة  التطور، والتي أضحت تتطلب، وبإلحاح،  التنافسية العالية للمنتجات والخدمات التي يؤديها القطاع الخاص والقطاع الحكومي على حد سواء، وهذا بدوره  ينعكس على قدرة الدولة في تحقيق التنمية وإدامتهـا والتي تستدعي وبشكل أكثر أهمية تكامل الأدوار لبقاء الدول والمجتمعات على خارطة العالم، الأمر الذي تعمل الحكامة الجيدة على توفيره، من خلال تمكين القطاع الخاص، ليقوم بالأدوار المناطة به، من خلال المشاركة والتكامل مع الحكومة، لتحقيق التنمية الشاملة[10].
إن قدرة القطاع الخاص على توفير الفرص المواتية للعمل المنتج وتمكنه الفعال من رفع  نسب التشغيل للموارد البشرية المتسمة  بالمهارة  والكفاية وحرصه  الأكيد  على الاستجابة الآنية لاحتياجات   المواطن  الزبون،  أخذت تفرض عليه، التوسل بآليات نظام السوق  والتعامل معها بكل  أشكال المرونة والمواءمة، ومنها تحسين  مناخ الأعمال،  تحقيق جاذبية  الاستثمارات، دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة،  ترسيخ  مبادئ الشفافية والمسؤولية الاجتماعية، محاربة  كل أنماط الفساد والاقتصاد الريعي والغير المهيكل، تحفيز الطاقات وتجميع الجهود... كل  ذلك  من منظور  جعل القطاع الخاص، محركا رئيسيا للحكامة التنموية.
وحتى تتأكد أهمية أدوار القطاع الخاص في المسارات التنموية، فإنه كثيرا  ما يبرز كشريك جديد للحكامة في تدبير الشأن الترابي/ المحلي التنموي.
وهنا تتمثل أهمية الحكامة في طرح وسائل وطرق جيدة للتدبير من طرف القطاع الخاص، خاصة بعد فشل بعض المؤسسات  العمومية في تدبير المرافق المحلية باعتمادها توجهات غير صائبة وغير معقلنة في التسيير، وبالتالي تمنح آليات الشراكة مع القطاع الخاص إمكانيات وفرص حقيقية من أجل تدبير المرافق العامة المحلية، وذلك  عن طريق عقد اتفاقيات التعاون والشراكة أو شركات الاقتصاد المختلط أو التدبير المفوض أو عقود الامتياز. وهذا بدوره يتيح آليات جديدة  للتدبير وتجاوز الطرق التقليدية في تدبيـر المرافق العامة المحلية. إضافة إلى أن تنفيذ السياسات التنموية المحلية من طرف القطاع الخاص يعتبر أكثر فعالية  من الناحية الاقتصادية، مما يدعو إلى البحث المستمر عن ملائمة وفعالية السياسات التنموية المحلية وضرورة توضيح التزامات الفاعلين وعقلنة التدبير[11]. إلا أن ذلك لا يعني، دوما  وأبدا،  غياب  الصعوبات  والعراقيل التي قد تكبح  مطمح  مساهمة  القطاع  الخاص  في السيرورة التنموية.
فرغم  أن  السبب الذي  يجعل  العديد من  الدول  تلجأ إلى تبني  سياسات الخوصصة،  والتي  تبرز  فكرتها  الرئيسة  في تخلي  الدولة عن نشاطها  لصالح القطاع  الخاص) محلي،  إقليمي،  دولي )[12]  من منظور أن الحجة  الرائجة،  هي عامل الكفاءة الإدارية التي  يشتهر  بها   القطاع الخاص، فإن   تولي  هذا الأخير  لإنتاج  سلعة  عامة  وبيعها،  يتمتع  بشأنها  باحتكار محصن ضد المنافسة  الحافزة  على الأداء  الجيد، سيؤدي   بالضرورة،  إلى تقديم  سلع  أو  خدمات سيئة  النوعية أو تقاضي أثمان باهظة  أو كليهما[13].  ومع ذلك، ومهما كانت الاستراتيجيات المتخذة  والسياسات المتبعة،  فإنه ليس من الممكن، أن تقوم لها قائمة، دون المشاركة الفعالة للقطاع الخاص،  والذي مافتئ يلعب دورا كبيرا كشريك أساسي،  لا محيد عنه في التنمية، وهو ما يتناسب مع  مستويات المسؤوليـة الاجتماعية الملقاة  على كاهله كمكون  ريادي من مكونات الحكامة،  فهو يستطيع توفير الخبرات اللازمة والموارد المالية الضرورية والمعارف  المتراكمة  الكفيلة  بإغناء مسارات العمليـات تنموية. وكمثال على ذلك، الدور الذي يلعبه هذا القطاع في العديد من المجالات، من قبيل  تأمين القروض للإسكان، التمكين من التدريب  والتكوين والمنح التعليمية، إنعاش روح المقاولة وتغذية  فلسفة  تدبير المشاريع.  وذلك  كله  من منظور  الاعتناء  المستمر  بالمهام  الاقتصادية  لمؤسسات القطاع  الخاص،  كمؤسسات  منفتحة  تتقبل  مساهمة الجميع  لأنها  تعمل  وفقا  لمبادئ  ومعايير الشفافية والمساءلة، بما يحقق لها المصداقية  والشرعية  أمام الجمهور  المعني[14].  
وفق ماسلف ذكره، وبغية إضفاء  المزيد  من مقومات  الترابط  بين  الحكامة والقطاع الخاص،  يبدو من الضروري، أن يكون هناك فيما يخص التنمية، مجالات أرحب للتفاعل والحوار والاشتغال بين القطاع الخاص وباقي  مكونات وعناصر  الحكامة،  وعلى رأسها  الدولة  ومؤسساتها ، وذلك  كله  من أجل  إنجاح السياسات وبلورة  الاستراتيجيات، وبالتالي تتاح لمكون القطاع الخاص الفرصة نحو رسم ملامح  حكامة مقاولتية خاصة بالتنمية البشرية المستدامة. إن تحقيق أهداف  ومرامي  هذه الأخيرة،  لا يمكن  أن يتبلور،  إلا من  زاوية   الحرص الأكيد  على التوزيع  الناجع  للمسؤوليات  والمهام  بين القطاعين  العام والخاص، عبر  تبني   منهجيات عميقة  في العمل  واتجاهات رصينة في  التدخل.  ومن ثم،  تحديد وظائف مختلف الفاعلين  الرئيسيين، على صعيد تحقيق  هذه الأهداف والمرامي في  أنماطها الاقتصادية والاجتماعية. ولعل من أبرز هذه الاتجاهات يمكن  الوقوف  على ثلاثة منها[15] :
  - الاتجاه  القطاعي، يعتمد هذا  الاتجاه  تقسيما واضحا  ومحددا سلفا للوظائف على الصعيد الاجتماعي  بين الأطراف المختلفة، وخصوصا  بين القطاعين  العام والخاص.  وذلك وفق  تأويل علمي خاص،  يتبناه  كل فريق.  وأبرز مثال  على ذلك، هو  سيل  الدراسات  النظرية  والتطبيقية  منذ بداية التسعينيات،  والتي استنتجت أن القطاع العام أقل كفاءة  من القطاع   الخاص  في ممارسة  النشاط  الاقتصادي. بكلمة  موجزة،  التركيز  وفق  هذا الاتجاه  إذا،  هو على من يؤدي الخدمة  لا على  من يتلقاها.
    – الاتجاه الاقتصادي، هنا تكون  الجدوى  هي الأساس  في توزيع  المهام  الاقتصادية  والاجتماعية  بين القطاعات المختلفة. والمبدأ هو البحث عمن  يقدم  الخدمات  بأعلى  كفاءة  وفاعلية.  فعلى الدولة هنا،  أن تحدد الأهداف  وتضع  السياسات  العامة  وتهيء البيئة  التشريعية  والقانونية، وأن  تلزم بها  الآخرين، سواء أكانوا من  القطاع  العام  أم القطاع  الخاص.  في هذا الصدد، يوصي بعض الباحثين،  باتباع  ما يمكن  تسميته " العمى  القطاعي Sector Blind "، أي  أن يوجه  الاهتمام  إلى الخدمة نفسها  لا إلى القطاع  الذي يقدمها، وما على الدولة،  سوى تأمين  مساحة لعب  متساوية أمام  الجميع. وبالتالي فهذا  الاتجاه،  أكثر مرونة  من سابقه،  لكنه  يركز  على آليات  إنتاج الخدمة  وحجمها  أكثر من اهتمامه  بتوزيعها.
  -  الاتجاه  الاجتماعي  الوظيفي، يركز  على  تحقيق الأهداف  وفق أعلى المعايير. هنا، ينبغي  عدم  تجاهل  الفاعلية  والكفاءة،  لكن  المعيار الأهم، يظل هو أن تحقق الدولة  إحدى أهم وظائفها،  أي إشباع  الحاجات الأساسية  بمستويات  مقبولة  تشمل أوسع  شريحة  من السكان. يرى  هذا الاتجاه الخدمة الاجتماعية  من منظار  المصلحة العامة،  معطيا  الأولوية  للمستفيد على المنتج وللقطاع العام  على القطاع الخاص،  لأنه الأقدر على المواءمة  بين الموارد المتاحة  والأهداف الاجتماعية  المتوخاة.
إن  هذه الاتجاهات  الثلاث  مع ذلك، تبرز وفي إطار  توزيع حقيقي للمهام  والمسؤوليات  على صعيد  إرساء منظومة  الحكامة  التنموية  الجيدة   ارتفاع  درجات "الترابط"  بين  مكونين  من مكونات  الحكامة  وهما الدولة  والقطاع  الخاص – بالإضافة  إلى مستويات الترابط مع المكونات الأخرى،  وعلى رأسها  منظمات المجتمع  المدني،  والتي أخذت تحتل  الحيز الأوفر  في  مسارات السيرورة  التنموية-إذ  يتجلى  هنا، دور  الدولة  في توفيرها  لعامل  الريادة Entrepreneurship   للنشاط  الاستثماري  والتنموي للقطاع الخاص.  فنشوء  الطبقة  الريادية  يحتاج  إلى قوات  دفع  مؤسساتية  مهمة،  حيث  يبين التاريخ  دائما أن هذا  النشوء  ليس من الأمور  التي  تتأتى  في المدى  القصير أو المتوسط. وهنا،  تطرح  بإصرار  قضية  التمييز  بين ما ينبغي أن  يكون  عليه دور  الدولة) الدور المعياري( وبين  الممارسة  الفعلية  لدور  الدولة  على أرض الواقع) الدور  الوضعي (  في إطار العولمة.  إن تطابق  الدور  المعياري  مع الدور  الوضعي،  يمكن  أن يحقق  حالة  فضلى  بمقياس  باريتوPareto.[16] وذلك  كله  في سياق   تحسين  أداءات  القطاع  الخاص،  من حيث  التقليل  من التكاليف والضبط  المستمر  لمعايير  الجودة.
عموما،  ارتبط مفهوم  الحكامة  في سياقات  نشأته  وتطوره،  بتبني آليات  القطاع الخاص  على مستوى  باقي  مكونات وعناصر  هذا المفهوم  المتجدد باستمرار،  خاصة  مكون  الدولة /الحكومة/القطاع العام، والذي عمل مع مرور الزمن على "تبيئة"   مختلف شروط وعوامل  النهوض بأنماط تدبيره، من خلال  خلق صيغ جديدة  بخصوص هذا التدبير، من قبيل  الشراكة،  والتي أضحت في الوقت الراهن من مستلزمات الرفع  الإيجابي  من "مساهمات"  كل  مكونات الحكامة   في تعزيز مسارات  القدرات المتاحة   والجهود  المبذولة. وذلك  كله في سبيل  تحقيق أسس  تنمية وازدهار المجتمعات. 


[1] ذكاء مخلص الخالد،"  منظمة  التجارة العالمية  والشراكة الأوروبية- المتوسطية  ودور  القطاع  الخاص "  ضمن "دور القطاع الخاص  في مسار  التنمية  المستدامة  وترشيد الحكم  في الأقطار العربية   بحوث  ومناقشات  الندوة  التي أقامتها  المنظمة  العربية  لمكافحة  الفساد يومي 22  و23شتنبر2011"، المركز العربي  للأبحاث  ودراسة السياسات،  بيروت،  الطبعة الأولى يناير 2013،ص273.
 OECD « Entreprendre pour le Développement .promouvoir le secteur privé »
[2] Perspectives du centre de développement. (OECD Publishing 2008) P12.

[3]  Ibid. p176.
[4] سليم  الحص،" القطاع  الخاص ومسار  التنمية  المستدامة"  ضمن "دور القطاع الخاص  في مسار  التنمية  المستدامة  وترشيد الحكم  في الأقطار العربية "،  مرجع سابق  الذكر،  ص35.
[5] دانيال كاوفمان، "الخرافات  والحقائق  المرتبطة  بالحكم  والفساد" ضمن " المشاريع  الدولية  لمكافحة  الفساد   والدعوة  للإصلاح  السياسي  والاقتصادي  في الأقطار العربية  "،  المنظمة  العربية  لمكافحة  الفساد،  بيروت،  الطبعة الأولى 2006، ص172.
[6] هدى  رزق، "المسؤولية  الاجتماعية وحوكمة الشركات   "  ضمن "دور القطاع الخاص  في مسار  التنمية المستدامة وترشيد الحكم  في الأقطار العربية "،  مرجع سابق الذكر،  ص229.                 
[7] عمار حبيب  جهلول، "المسؤولية  الاجتماعية  للشركات  ودورها  في تحقيق  التنمية  المستدامة،  دراسة  في الأطر  القانونية  المقارنة " ضمن "النمو  الاقتصادي  والتنمية  المستدامة  في الدول العربية،  الأبعاد  السياسية  والاجتماعية"،  مجموعة  مؤلفين،  المركز العربي  للأبحاث ودراسة  السياسات، بيروت،  الطبعة الأولى  2013، ص: 439
[8] دانيال كاوفمان، مرجع سابق الذكر،ص174.
[9] هدى رزق،  ، مرجع سابق الذكر، ص 229.
[10] زهير عبد الكريم بلكايد، " الحكمانية،  قضايا  وتطبيقات  " المنظمة العربية للتنمية الإدراية، بحوث ودراسات، القاهرة، ، 1992، ص 64             
[11] دانيال كاوفمان، مرجع سابق الذكر، ص 182.  
[12] عبد الرحمن سليم  التميمي، "الخصخصة  في ظل  المشاريع  السياسية  الإقليمية  دراسة حالة  قطاع  المياه " ضمن "النمو  الاقتصادي  والتنمية  المستدامة  في الدول العربية،  الأبعاد  السياسية  والاجتماعية"،  مرجع  سابق  الذكر، ص 159 .
[13] طاهر كنعان،" الفضاءات  الثلاثة  في دولة الإنتاج" ضمن  "النمو الاقتصادي  والتنمية  المستدامة  في الدول العربية،  الأبعاد الاقتصادية "، مجموعة مؤلفين،  المركز العربي  للأبحاث  ودراسة السياسات، بيروت،  الطبعة  الأولى   2013، ص84.
[14] جورج  العبد،" العوامل  والآثار   في النمو  الاقتصادي  والتنمية " ضمن" الفساد والحكم الصالح  في البلاد العربية"، مركز دراسات الوحدة العربية،  بيروت،  الطبعة  الثانية 2006،  ص213-214  .
[15] عبد الحليم  فضل  الله، "  توزيع المهام  بين القطاعين العام والخاص  في تحقيق الأهداف  الاجتماعية"  ضمن "دور القطاع الخاص  في مسار  التنمية  المستدامة  وترشيد الحكم  في الأقطار العربية "، مرجع سابق  الذكر، ص191-194.               
[16] محمد حركات،  "الاقتصاد  السياسي  وجدلية  الثروة  والفقر "،  مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط،  الطبعة الأولى 2002، ص254.

لتحميل الموضوع كاملا إضغط هناك  -  أو أسفله

 قانونك