التكامل المغربي الخليجي الدلالات والرهانات - محسن الندوي

9anonak
التكامل المغربي الخليجي الدلالات والرهانات
التكامل المغربي الخليجي: الدلالات والرهانات
من إعداد: محسن الندوي
باحث في العلاقات الدولية
مركز الدكتوراه في القانون، كلية الحقوق طنجة - المغرب
رئيس المركز المغربي للباحث والدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية
مقدمة :

تتميز العلاقات المغربية الخليجية بكونها راسخة وضاربة في التاريخ بحكم الدين واللغة والمصير المشترك، وقد مثلت مشاركة العاهل المغربي في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في الرياض في 20 ابريل 2016 علامة فارقة في العلاقات الخليجية المغاربية وتأكيداً لمستوى التنسيق والرؤى الموحدة تجاه مختلف القضايا التي تهم الأمة العربية.
هذه القمة تؤكد من جهة أخرى أن العمل العربي المشترك يمثل مرتكزاً أساسياً في السياسات الخليجية، من خلال تمييز العلاقات العربية والانتقال بها إلى مستويات جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وخصوصاً في هذه الظروف التي تواجه فيها الأمة تحديات متعددة، أخطرها الإرهاب والتدخلات الخارجية بما تمثله من مخاطر على حاضر الأمة ومستقبلها.
لطالما شكل المغرب حليفا استراتيجيا لدول مجلس التعاون في مختلف المجالات والميادين، كما أن دول مجلس التعاون من جهتها لم تقصر يوماً في الوقوف إلى جانب المغرب ودعمه ومساندته، ولعل حجم الاستثمارات الخليجية هناك أكبر دليل على هذه الثنائية الاستثنائية في العلاقات التي تؤكد مدى ما وصلت إليه وباتت تحتاج إلى عمل مؤسسي حقيقي يرعاها ويعززها والانتقال بها إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية من التكامل والتحالف بما يحقق مصالح شعوب الخليج والشعب المغربي الشقيق، بل ومصالح الأمة العربية.
المحور الأول – العلاقات بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي : من طلب الانضمام إلى الشراكة
 أولا- انضمام المغرب لمجلس التعاون بين التأييد والرفض:
في عام 2011 إثر قمة تشاورية في الرياض  تم تأييد قادة الدول مجلس التعاون الخليجي انضمام البلدين العربيين غير النفطيين لصفوف المجلس وهما المغرب والأردن.
وسال الكثير من المداد في الموضوع بخصوص هذا الانضمام وتوقيته وظروفه الخ حيث ايد بعض الباحثين والمسؤولين الفكرة بينما عارضها البعض الآخر بينما شكك البعض في تناسق الأنظمة بين دول المجلس والعضو الجديد  المغرب الذي يتميز بوجود أحزاب سياسية، وملكية دستورية، وحريات عامة وحرية الرأي... يختلف عن نظيرته في دول مجلس التعاون. آما بالنسبة للوضع الاقتصادي في كل من المغرب والأردن أيضاً يختلف عن نظيره في دول مجلس التعاون، ناهيكم عن بعض العادات والتقاليد والحريات العامة والتباينات الفكرية فيما يتعلق بالشؤون العامة.
فبالنسبة للمؤيدين، بصفة إجمالية بهذه المبادرة، واصفون إياها بالخطوة الشجاعة التي ستفتح آفاقا جديدة أمام الاقتصاد الوطني لهذه الدول، في ظل تباطؤ المبادرات العربية في تحرير التجارة البينية، وقصور جامعة الدول العربية في القيام بالأهداف التي أنشئت من أجلها و المتمثلة في تدعيم العمل العربي المشترك، وحيث ان دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون هو  تعبير عن الثقة التي يحظى بها المغرب وإشارة قوية وذات مغزى عميق اتجاه المملكة المغربية، كما أن دعوة المملكة للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي حسب مؤيديها هي في حد ذاتها إشارة قوية للعلاقات المميزة التي تجمع بين الدول الخليجية و المملكة المغربية على مدار التاريخ. وهو اعتراف بالدينامية الإصلاحية التي انخرط فيها المغرب، وبوجاهة خيار الانفتاح الذي اعتمده كأساس لتطوير اقتصاده عبر إبرامه لمجموعة من اتفاقيات التبادل الحر.
ومن جهة أخرى، أتت هذه الدعوة، في وقتها، لتكرس جاذبية الاقتصاد المغربي للاستثمارات، خصوصا القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي، ولتؤكد أيضا على القيمة المضافة والنوعية لاستراتيجية موقعه الجغرافي كبوابة على إفريقيا والعالم العربي وأوروبا، بوابة مرفقة أيضا بنوافذ مشرعة على الأمريكيتين.
لكن بالنسبة لمعارضيها اعتبروا ان هذا الانضمام  إذا تم لا يخلو من تداعيات سياسية سلبية محتملة، بحيث سيضع الانضمام المغرب ضمن دول عربية تشكل حلفا ذو أبعاد سياسية وعسكرية مضاد لدول أخرى مثل إيران. أو أن هذا الانضمام من الممكن حسب معارضيه أن تناقض و التزامات المغرب المغاربية، في حين يرى البعض أنها ستحرك المياه الراكدة في اتحاد المغرب العربي.
وبهذا الخصوص طرحت عدة تساؤلات في الصحافة العربية حول جدوى اتخاذ قرار الدعوة للانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وما قد يمكن أن يحققه ويضيفه إلى مجلس التعاون من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية. و تساءلت عن عدم طرح فكرة التوسع للنقاش العلني، بدلاً من مفاجأة الجميع بموقف لم يخطر على بال أحد . و بالإضافة إلى مدى أهمية "الدولتين المَلَكيتين لدول مجلس التعاون أمام الثورات العربية"، و "تمدد النفوذ الإيراني". ونوعية الشراكة بين الضيفين الجديدين والمجلس، ومدى تأثير انضمام الدولتين على الحياة الاجتماعية، وعلى سوق العمالة مزاحمة اليد العاملة المحلية، وغيرها من التساؤلات المشوبة بالتخوفات، سواء على المستوى الشعبي، أو على مستوى الطبقة المثقفة الخليجية والعربية.
وبعدما تعذر انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي ، قرر قادة دول مجلس التعاون الخليجي خلال القمة 32 للمجلس المنعقدة في دجنبر 2011 إنشاء صندوق خليجي لدعم مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. وسيبلغ الغلاف الإجمالي لهذا الدعم 5 مليار دولار على 5 سنوات (أي 1 مليار دولار كل سنة) سيتم تقديمه على شكل هبات في إطار ثنائي من طرف 4 دول هي السعودية وقطر والإمارات والكويت.
ثانيا – أهمية الشراكة المغربية الخليجية:
لقد تم الشروع في إرساء أسس هذه الشراكة الجديدة بعقد اجتماع ضم وزراء الخارجية في دول الخليج ووزيري خارجية المغرب والمملكة الأردنية الهاشمية خلال شهر شتنبر من عام 2011، حيث قدم خلاله المغرب تصوره الخاص للشراكة المستقبلية المندمجة والمتناسقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث تشمل الجوانب الاستراتيجية والسياسية والأمنية والاقتصادية والبشرية.
ومن أجل إعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، قام الملك محمد السادس خلال شهر أكتوبر 2012 بزيارة إلى أربع دول خليجية، ويتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت، حيث شكلت مناسبة لبحث المجالات ذات الاهتمام المشترك كالرفع من مستوى التبادل التجاري بين الطرفين وتقوية الاستثمارات الخليجية ومساهمتها في برامج تمويل المشاريع التنموية بالمغرب، وذلك على شكل هبات مالية تصل إلى مليار دولار أمريكي سنويا لمدة خمس سنوات (2013-2018)، أي بمجموع 5 مليار دولار كقيمة إجمالية. وفي نفس الإطار تم تقديم عروض حول استراتيجية الحكومة المغربية فيما يخص تطوير بعض القطاعات المعنية بهذه الشراكة.
وتأسيسا على ما سبق، تم إعداد "مشروع خطة العمل المشتركة للتعاون" وتمت مناقشة الخطوط العريضة لهذا المشروع خلال اجتماع اللجنة المشتركة لكبار المسؤولين في وزارات الخارجية بالمغرب ودول مجلس التعاون الخليجي المنعقد بالرياض بتاريخ 8 أكتوبر 2012.
     كما احتضنت الرباط يومي 7 و8 أكتوبر 2013 الاجتماع الأول للجنة المشتركة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة المغربية، وذلك لمناقشة وإقرار ما ورد في مشاريع ثمان خطط عمل تفصيلية للتعاون بين الجانبين ويتعلق الأمر بالبيئة والطاقات المتجددة والموارد الطبيعية والتعليم العام والتعليم العالي والبحث العلمي والشباب والتنمية الاجتماعية والتعاون الاقتصادي والتعاون القانوني والقضائي والتعاون الثقافي والسياحة.
وقد شارك اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي مع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون ، في الاجتماع الأول لفريق العمل المختص في مجال التعاون الاقتصادي بين مجلس التعاون والمملكة المغربية الموافق 12-13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013م في الرباط بمقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون.
يهدف الاجتماع إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية و الاستثمارية ، التشاور بشأن السياسات والمستجدات الاقتصادية ، تبادل الخبرات في المجال الاقتصادي ، العمل على زيادة حجم التبادل التجاري بين دول المجلس والمملكة المغربية ، توسيع أسواق الصادرات الخليجية والمغربية مع إعطائها معاملة تفضيلية، وزيادة ، انسياب السلع بين دول المجلس والمغرب ، تسهيل التبادل التجاري والعمل على تذليل الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين الجانبين ، تعزيز الشراكة بين القطاع الخاص وقطاع الأعمال من الجانبين ، إقامة استثمارات مشتركة في كافة المجالات ، التعريف بالشركات العاملة في المجالات المختلفة من كلا الجانبين ، دراسة البيئة الاستثمارية ومعوقات الاستثمار بما يساهم في تشجيع الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين ، وتبادل الخبرات في مجال تشجيع الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في كافة المجالات ، تنسيق المواقف بين دول المجلس والمغرب في المحافل الاقتصادية الإقليمية و الدولية .
وبين مدير العلاقات الخارجية باتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي باسل العوامي بأن الاجتماع تناول مواضيع عده أهمها مشروع خطة العمل المشترك للفترة 2013 ، 2018 وكيفية توسيع آفاق التعاون بين الجانبين من خلال تبادل الزيارات بين المسؤولين الاقتصاديين والتجاريين والغرف التجارية وتنظيم ورش العمل المشتركة في المجال الاقتصادي والتجاري وإشراك القطاع الخاص فيها ، والاستفادة من اتفاقيات الأفضلية واتفاقيات التجارة الحرة التي وقعها الجانبين لتعزيز الاستثمار المتبادل بين دول المجلس والمغرب ، وتشجيع الاستثمار الزراعي والتعاون في مجال الأمن الغذائي .
المحور الثاني - التكامل الخليجي المغربي: الدلالات والرهانات:
جاءت القمة الخليجية المغربية الاولى بالرياض يوم الاربعاء 20ابريل 2016 في سياق المتغيرات الجيوسياسية بالمنطقة العربية، خاصة واهمية استحضار البعد الأمني في العلاقات العربية بعد أن كان البعد السياسي هو المحور الاساسي لتلكم العلاقات في العقود الماضية، لذا، ونظرا لان البعد الامني يستوجب التعاون اكثر بين الجانب المغربي والخليجي خاصة والعلاقات المتطورة والاخوية بين الطرفين، من شأنها دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية والامنية بينهما في اطار الشراكة الاستراتيجية (2013/2018) التي أعطى انطلاقتها العاهل المغربي عام2012 عند زيارته لدول الخليج العربي واليوم يعود لزبارة دول المجلس من اجل منح هذه الشراكة دفعة جديدة. وتحكم هذه العلاقات المغربية الخليجية عدة أسس اهمها الدين واللغة والحضارة بالاضافة للعلاقات الأخوية بين حكامها، كما ان لهذه العلاقات رهانات منها الرهان الجيوستراتيجي، الرهان الإقليمي، رهان التحالف العربي، الرهان التنموي الجديد بالصحراء.
أولا - أهمية القمة المغربية الخليجية الأولى بالرياض:
انعقدت بالرياض، أشغال القمة المغربية- الخليجية الأولى يوم الأربعاء 20 ابريل 2016 بمشاركة العاهل المغربي محمد السادس، وشقيقه الأمير مولاي رشيد، وذلك إلى جانب أشقائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في ظرف دقيق يعيشه الوطن العربي. وفي مستهل أشغال القمة، ألقى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود كلمة افتتاحية أكد من خلالها أن القمة المغربية- الخليجية  تعبير عن العلاقات الخاصة والمتميزة التي تربط بين بلدان الخليج العربي والمغرب، معبرا باسم جلالته واسم باقي قادة دول المجلس عن الحرص الشديد على أن تكون العلاقات التي تجمع الطرفين على أعلى مستوى في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية  والعسكرية والأمنية وغيرها. وقال ملك السعودية  ، إن القمة تعكس العلاقات الوثيقة بين الجانبين في كافة الجوانب.
وقال الملك سلمان إن دول الخليج تتضامن مع المغرب ولا سيما في قضية الصحراء المغربية[1]، والرفض التام  لأي مساس بالمصالح العليا للمغرب. كما أعرب  عن تقديره لمواقف المغرب المساندة لقضايا دول الخليج العربي، مؤكدا على تضامن دول المجلس جميعا ومساندتها لكل القضايا السياسية والأمنية التي تهم المملكة المغربية.
 وتابع خادم الحرمين الشريفين "أود أن أؤكد على ما نوليه جميعا من اهتمام بالغ بمعالجة قضايا أمتنا  العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأزمة في سوريا وفي  ليبيا، كما نؤكد حرصنا على أن ينعم العراق بالأمن والاستقرار".
  وفي خطاب أمام القمة أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن الشراكة المغربية الخليجية تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة  المصير، ومن تطابق وجهات النظر، "بخصوص قضايانا المشتركة".
   وقال جلالة الملك" لقد تمكنا من وضع الأسس المتينة لشراكة استراتيجية، هي نتاج مسار مثمر من التعاون ،على المستوى الثنائي ، بفضل إرادتنا المشتركة. فالشراكة المغربية الخليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة . وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير ، ومن تطابق وجهات النظر، بخصوص قضايانا المشتركة. لذا، نجتمع اليوم ، لإعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة ، التي بلغت درجة من النضج ، أصبحت تفرض علينا تطو ير إطارها المؤسسي، وآلياتها العملية.  وهي خير دليل على أن العمل العربي المشترك ، لا يتم بالاجتماعات والخطابات ولا بالقمم الدورية الشكلية، أو بالقرارات الجاهزة ، غير القابلة للتطبيق، وإنما يتطلب العمل الجاد ، والتعاون الملموس ، وتعزيز التجارب الناجحة، والاستفادة منها، وفي مقدمتها التجربة الرائدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي."[2]
و أكد جلالة الملك أنه "رغم بعد المسافات الجغرافية، التي تفصل بيننا، توحدنا والحمد لله، روابط قوية، لا ترتكز فقط على اللغة والدين والحضارة، وإنما تستند أيضا، على التشبث بنفس القيم والمبادئ، وبنفس التوجهات البناءة".
 ويمكننا القول ان الخطاب السامي للعاهل المغربي، الذي كان قويا في لهجته ومضامينه، يحمل العديد من الأبعاد السياسية والدولية[3]:
أولا: دعوة إلى دول الخليج من أجل الانتقال بالعلاقات السياسية والاقتصادية من إطارها القانوني، المتمثل في الاتفاقيات المبرمة، إلى إطارها المؤسساتي والعملي من أجل تجسيدها على مستوى الواقع للحصول على أفضل النتائج لكل الأطراف: دول الخليج والمغرب، مذكرا بالتجارب الناجحة، كمجلس التعاون لدول الخليج، وهذا ما عبر عنه الملك بقدرتنا على بلورة مشاريع مشتركة.
ثانيا: توجيه رسالة تحذيرية قوية إلى أعضاء القمة من المناورات والمؤامرات التي تتخذ مظاهر وأشكالا مختلفة، هدفها واحد هو تغيير ما بقي من الأنظمة العربية بعد الإطاحة ببعض الأنظمة العربية السابقة تحث غطاء الحداثة والديمقراطية وزعزعة الأمن والاستقرار للتجارب الناجحة في المنطقة؛ حيث أصبحت تتخذ من شهر أبريل لكل سنة مناسبة لمحاولة تحقيق أهدافها.
ثالثا: اعتبار أن المجال السياسي الدولي في إطار إعادة الهيكلة والتشكل، وأن الصراع بين الفاعلين الدوليين؛ أي القوى الكبرى، من شأنه أن يدفع في اتجاه تحالفات جديدة في الأفق من أجل الهيمنة، مشيرا إلى أن عدم التفرقة وعدم الطعن من الخلف والتكتل قيم من شأنها إرساء حلف عربي على أسس قوية ومتينة تمكنه من الدفاع عن مصالحه ومصالح شعوبه وتحقيق الاستقرار السياسي والأمن الجماعي، وأن كل تجاهل لهذه الأسس والمبادئ من شأنه أن يسمح بإشعال الفتن والفوضى، وبالتالي زعزعة استقرار الأنظمة العربية في المنطقة بما يخدم مصالح الخصوم والأعداء.
رابعا: إن المغرب متمسك بالمحافظة على علاقاته مع حلفائه التقليدين. وإذا كان قد عمد إلى تنويع شركائه، فهذا لا يمس العلاقات مع حلفائه في شيء. فالمغرب دولة مستقلة ذات سيادة على المستوى الوطني والدولي، ولكل دولة ذات سيادة الحق في أن تحدد اختياراتها المناسبة لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية. وهذه رسالة قوية من الملك مفادها أن مسألة القرارات الإستراتيجية للمغرب التي تخدم سياساته الخارجية لا يحق لأي كان أن يتدخل فيها. فالمغرب كان، ولا يزال، دولة مستقلة وهو عضو نشيط في حظيرة المجتمع الدولي، حر في اختياراته لسياساته وقراراته بما يخدم مصالحه وطنيا ودوليا في إطار الشرعية الدولية؛ بحيث يظل وفيا لالتزاماته الدولية تجاه شركائه، وهذا لا يمس، من قريب أو بعيد، مصالح أي دولة.
خامسا: التنبيه من خلال هذه القمة الخليجية المغربية، إلى أن الدفاع عن أمن واستقرار الشعوب العربية في هذه الظرفية الصعبة والخطيرة ليس اختياريا، بل، على العكس من ذلك، واجبا بالنظر إلى أن الإخلال به ستكون له نتائج وخيمة وسلبية، باعتبار أن الروابط التاريخية لكل من دول الخليج والمغرب أثبتت أن ما يضر بعضها يضر الجميع، فالمصير واحد.
سادسا: التحذير من أن الأخطار والمخططات العدوانية التي أطاحت سابقا ببعض الدول في المشرق لازالت متواصلة مستهدفة المس بالاستقرار والأمن لكل من المغرب والخليج، آخرها المناورة التي استهدفت وحدتنا الترابية. فالمؤامرات والتهديدات والابتزاز لا تزال مستمرة من أجل الضغط على المغرب ووضع اليد على خيرات بلدنا، متمثلة تارة في محاولة نزع الشرعية على تواجد المغرب في صحرائه، وتارة في التلويح بمساندة أطروحة الانفصال وخيار الاستقلال، محذرا أعضاء القمة من أن هذه التهديدات لن تتوقف إلا إذا وقفت دول الخليج والمغرب وقفة رجل واحد ضد أطماع الخصوم والأعداء.
إن الخطاب الملكي يعد خطابا تاريخيا غير مسبوق؛ فقد كشف عن دسائس خصوم وحدتنا الترابية وعن المؤامرات التي تجري في الكواليس من أجل زعزعة استقرار المنطقة العربية. وعليه فقد شدد الملك على مأسسة العلاقات بين دول الخليج والمغرب ببلورة مشاريع كبرى من شأنها ضمان استمرار أمن المنطقة واستقرارها، ورفع التحديات المقبلة في ظل وضع دولي يتميز بالتحول، مؤكدا أن الخلاص من هذا المأزق ومواجهة هذه التحولات في إطار التحالفات الجديدة يظل هو الوحدة والتكتل في ظل المصير المشترك. وأبرز الخطاب ما تستهدفه مؤامرات وتهديدات الخصوم من وضع اليد على خيرات المغرب ودول الخليج العربي، وكشف أن تدخل الخصوم في السياسة الخارجية للمغرب ومحاولة الضغط عليه لتغيير قراراته المشروعة بما يخدم مصالحه الإستراتيجية، الأمر الذي يعتبر مسا بالسيادة المغربية لا يمكن قبوله بتاتا، أضف إلى ذلك أن الخطاب الملكي عرج على تاريخ العلاقات بين المغرب ودول الخليج، مبرزا الروابط القوية بينهما والمصير المشترك، وبالتالي فهما في الوضع نفسه، وفي مواجهة الخصوم والأعداء أنفسهم.
 وفي كلمة مماثلة، قال الملك سلمان بن عبد العزيز :"وما اجتماعنا هذا إلاّ تعبير عن العلاقات الخاصة والمتميزة التي تربط بين بلداننا والمغرب الشقيق"[4].وقال الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت إن "هذا اللقاء المبارك الذي يأتي في ظل ظروف سياسية واقتصادية وأمنية حرجة تمر بها أمتانا العربية والإسلامية، تتطلب تنسيقا مشتركا وتشاورا مستمرا وتعاونا كبيرا في قمة غير مسبوقة بيننا كقادة لدول مجلس التعاون والمملكة المغربية الشقيقة، ستعطي الشراكة الإستراتيجية القائمة بيننا أبعادا إضافية لتعاوننا وستنقلها إلى آفاق جديدة تحقق آمال وتطلعات شعوبنا"[5].
  وأوضح الشيخ صباح أن دول مجلس التعاون تعتز بعلاقاتها الأخوية التاريخية والعريقة التي تربطها بالمملكة المغربية، والتي كان هناك سعي دائم إلى الارتقاء بها إلى مستوى يعكس عمقها ويجسد تجذرها.
 وأضاف قائلا "إننا ماضون في سعينا لتعزيز هذه الشراكة الإستراتيجية لإيماننا المطلق بحتميتها وضرورتها في ظل أحداث تستوجب الوحدة لا الفرقة والتجمع لا الانفراد".
 وقد خصصت القمة المغربية- الخليجية، الأولى من نوعها، لإعطاء دفعة جديدة للشراكة الإستراتيجية ومتعددة الأبعاد، التي تم تأسيسها منذ زيارة الملك محمد السادس الأولى لدول مجلس التعاون في عام 2012 ،
حيث خلصت هذه القمة الخليجية المغربية الأولى إلى توصيات هامة  تضمنها بيان مشترك بين الطرفين هي :
- التأكيد على إيمان القادة الحاضرين بوحدة المصير والأهداف، وتمسُّكهم بقيم التضامن الفاعل والأخوة الصادقة، التي تقوم عليها العلاقات التاريخية الاستثنائية بين دول مجلس التعاون والمملكة المغربية.
- تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين دول مجلس التعاون والمملكة المغربية، لتنسيق المواقف في مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجهها المنطقة العربية.
- تعزيز مسارات التنمية البشرية وتسهيل التبادل التجاري وتحفيز الاستثمار بين الطرفين.
- التأكيد على ضرورة إعطاء هذه الشراكة دفعة نوعية قوية وتطويرها في جانبها المؤسساتي.
- الالتزام بالدفاع المشترك عن أمن بلدانهم واستقرارها، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وثوابتها الوطنية، ورفض أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ونشر نزعة الانفصال والتفرقة لإعادة رسم خريطة الدول أو تقسيمها، بما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
- التأكيد على أن دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تشكل تكتلا استراتيجيا موحدا، حيث أن ما يَمُسُّ أمن إحداها يمس أمن الدول الأخرى.
 - تجديد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية موقفهم المبدئي من أن قضية الصحراء المغربية هي أيضا قضية دول مجلس التعاون. ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. كما أعربوا عن رفضهم لأي مس بالمصالح العليا للمغرب إزاء المؤشرات الخطيرة التي شهدها الملف في الأسابيع الأخيرة.
- التأكيد على أهمية تضافر الجهود لمواجهة التحديات في الوطن العربي بكل حزم ومسؤولية.
- إدانتهم للتطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله، حيث أكدوا على عدم ربط هذه الآفة الخطيرة بحضارة أو دين، والوقوف في وجه محاولات نشر الطائفية والمذهبية التي تشعل الفتنة وترمي إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ودعوا إلى تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة الإرهاب واجتثاثه والقضاء على مسبباته، مؤكدين على أهمية التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لدعم هذه الجهود.
- التأكيد على أهمية استمرار التشاور والتنسيق من أجل دعم ركائز الشراكة القائمة بين دول مجلس التعاون والمملكة المغربية، تحقيقاً لتطلعات شعوبهم وخدمة لمصالح الأمتين العربية والإسلامية ولتحقيق السلم والأمن الدوليين[6].
ثانيا: الرهانات:
أولا - الرهان الجيوستراتيجي: تنويع خريطة التحالفات والبحث عن حلفاء جدد
في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم بفعل تنامي النزاعات الاقليمية وظهور مجموعة من التحديات الأمنية والاقتصادية التي باتت تؤرق المنتظم الدولي، ابتداء بالوضع في كل من سوريا وليبيا، ومرورا بظاهرة تمدد التيارات الجهادية بالرقعة العربية وما تشكله من خطر على استقرار دول تلك المناطق، وكذلك تهديد أمن أوروبا والغرب عموما، ووصولا إلى الصراع حول النفوذ الذي تخوضه كل من روسيا والصين مع أوربا في ظل تراجعا أمريكا في مناطق في العالم.
هذا التراجع الأمريكي في الساحة الدولية انعكس بشكل سلبي على مستوى الالتزامات وخريطة التحالفات التي كانت تربط هذه القوة العظمى بمجموعة من الدول التي كانت تضع أمنها ومستقبلها في السلة الأمريكية، وتأتي في مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي التي استفاقت على وقع صدمة مدوية تمثلت في الاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني.
صورة "حليف الأمس" لدى الخليجيين صارت أكثر اكتمالا ووضوحا مع وقوع حدثين بارزين؛ الأول التغلغل الشيعي داخل اليمن على الحدود السعودية، والثاني التدخل الروسي بسوريا وما لذلك من انعكاسات سلبية على مصالحها، حيث في كلتا الحالتين اكتفت أمريكا بالتفرج والترقب.
وقبل أن تتفاقم الأمور، خاصة بالنسبة للوضع في اليمن، بادرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى محاولة البحث عن حلفاء جدد من أبرزهم المغرب، حيث إن انخراطه ومشاركته عسكريا في "عاصمة الحزم" في اليمن، ساهم بشكل كبير في القضاء على الحوثيين المعروفين "بجماعة أنصار الله"، كما يعتبر هذا التدخل المغربي إلى جانب دول الخليج محاولة عربية غايتها التأسيس لنمط جديد ومغاير لتدبير الإشكالات الإقليمية والتحديات الدولية، مما يعني المضي قدما في مأسسة وتقوية هذا النمط الاستراتيجي لإحداث نوع من التوزان الاستراتيجي وملئ الفراغ الذي تركته أمريكا في عهد أوباما بالمنطقة، خاصة في التصدي للنفوذ الايراني الفارسي المتزايد.
عدم الثقة في الحليف الأمريكي تعتبر نقطة التقاء وسمة تتقاسمها المملكة المغربية مع دول الخليج، خاصة في ظل الضربات المتعددة التي تلقاها المغرب بخصوص قضية وحدته الترابية، ابتداء بالمسودة أو التوصية التي تدعو إلى توسيع صلاحية المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان بالصحراء، ومرورا بانحياز المبعوث الشخصي الأمريكي كريستوفر روس للطرح الانفصالي، وانتهاء بالتصريحات المنحازة للأمين العام للأمم المتحدة عندما وصف المغرب بالبلد المحتل أثناء زيارته إلى مخيمات تندوف، حيث لم تقم أمريكا بأي دور في هذه الأزمة لتصحيح الانحراف غير المسبوق الذي وقع فيه بان كي مون على اعتبار أنها -أمريكا- تملك مفاتيح هاته الهيئة الأممية، لأنه بحسب التجارب السابقة، فهؤلاء الأمناء العامون في نهاية المطاف مجرد موظفين تابعين للإدارة الأمريكية.
وبالتالي فإن تقوية التحالف المغربي- الخليجي أملته الظروف الدولية والإقليمية، بغية الدفاع عن المصالح وتقوية مواقع ومواقف كل طرف، حيث في إطار هذا التحالف الجديد، يمكن للمغرب أن يوظف علاقات دول مجلس التعاون الخليجي بالقارة الأسيوية لكسب تأييد ومساندة الطرح المغربي داخل أروقة الأمم المتحدة، وبالتحديد داخل الجمعية العامة ومجلس الأمن. ومن شأن هذا التحالف كذلك أن يقوي الجبهة المناصرة للوحدة الترابية أمام القوى المؤثرة التي ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية بالخليج، خاصة الصين وروسيا وكذلك أمريكا، لاسيما أن القمة المغربية الخليجية تزامنت مع انعقاد القمة الأمريكية الخليجية، ودون شك فإن تبني ملف الصحراء وطرحه كملف استراتيجي وحيوي بالنسبة للخليجيين أمام "الحليف متقلب المزاج" قد يحرجه ويجعله يراجع أوراقه ويوضح موقفه الغامض من القضية.
ثانيا: الرهان الإقليمي: سؤال الريادة المغاربية والتوسع الأفريقي
يعتبر المحور المغربي الخليجي ورقة استراتيجية وحيوية على الصعيد المغاربي والأفريقي، وذلك من خلال الاستفادة من هذا التحالف في الصراع الدائر مع الجزائر بغاية الحفاظ على النفوذ الإقليمي، بحكم أن هذا التقارب -المغربي/الخليجي ـ سيؤدي إلى اختلال التوازن في المنطقة المغاربية لصالح المغرب، خاصة على المستوي العسكري، سواء من خلال التمويلات المالية الضخمة التي تمنحها كل من السعودية والإمارات لاقتناء الأسلحة المتطورة، أو من خلال تمويل الصناعات الحربية؛ حيث نقل موقع أمريكي متخصص في الصناعة الحربية أن المملكة العربية السعودية ستخصص 22 مليار دولار لتمويل تطوير غير مسبوق للترسانة الحربية للمملكة المغربية. وبحسب التقرير، فان السعودية ستقدم هذا التمويل من أجل تمكينه من تطوير الصناعة الحربية فوق أراضيه، وذلك في عقد يقوم على انخراط عمالقة الصناعات الحربية لتقديم الخبرات اللازمة، مثل شركات "بومباردي وإيرباص وصافران وتاليس"، ستباشر هذه الشركات أعمالها بالمغرب انطلاقا من السنة الحالية، عبر فتح مكاتب لها، من أجل تطوير منظومة المغرب الدفاعية، وجعلها وحدة مصنعة بدل اكتفائها بإبرام صفقات التسلح.
ومن جهة أخرى، فالتحالف المغربي-الخليجي يسهل كذلك عملية واستراتيجية التمدد المغربي في أفريقيا، من خلال استراتيجيته الرامية إلى تفعيل التعاون جنوب-جنوب التي ترجمتها ميدانيا وبشكل ملموس الزيارات الملكية المتكررة لعدد من الدول الأفريقية، والتي تم خلالها إطلاق العديد من المشاريع الاستثمارية والتنموية والاجتماعية. لذلك فالرساميل المالية الضخمة التي توفرها الصناديق الاستثمارية الخليجية، قد تساهم في تكريس الشراكة المغربية في مختلف المجالات مع الدول الأفريقية، مما يضمن حفظ الأمن القومي المغربي من داخل العمق الأفريقي الذي تشكل مفاتيحه الأساسية تطويق المحور المعادي لمصالح المغرب الذي تمثله جنوب أفريقيا- نيجيريا- الجزائر، من خلال دعم استقرار دول الساحل والصحراء الممتدة من المحيط الأطلسي غربا، مرورا بالسنغال ودول غرب أفريقيا ووسطها.
ثالثا: رهان التحالف العربي: تكريس عزلة الجزائر على مستوى "العمق العربي"
توجد عدة مؤشرات تؤكد أن النظام الجزائري يعيش عزلة عربية غير مسبوقة، خاصة بعد سقوط أبرز حلفائه، مثل معمر القذافي، إثر الحراك الشعبي العربي الذي عرفته الرقعة العربية أواخر سنة 2010، سواء من خلال عدم انخراطها في التحالف العسكري الإسلامي الذي يضم 34 دولة لمحاربة الإرهاب رغم أنها من أكثر الدول المتضررة سابقا من تداعياته، أو رفضها الانخراط سابقا في فكرة إنشاء القوة العربية المشتركة، كما رفضت وعارضت فكرة تدخل قوات التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن.
ومن اللافت أن "ظاهرة الرفض" التي طبعت موقف الدبلوماسية الجزائرية في تعاملها مع مختلف المبادرات الخليجية التي تمت بلورتها في إطار محاولة التصدي إلى المشاريع التوسعية الايرانية الفارسية بالمنطقة، تؤشر فعليا على أن الجزائر تعيش على إيقاع العزلة عن محيطها العربي. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بالتحالفات الملتبسة للعسكر الجزائري بالإيرانيين التي تغديها الرغبة في "امتلاك التكنولوجية النووية"، لاسيما أن العلاقة بينهما تعززت أكثر سنة 2006 عندما صرح الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، أثناء استقباله وزير الطاقة والمناجم الجزائري، أن إيران مستعدة لوضع خبرتها في مجال الطاقة النووية تحت تصرف الجزائر. وفي إطار "لعبة المحاور"، وفي الوقت الذي انخرط فيه المغرب في المحور الخليجي العربي الذي ينسجم مع امتداداته التاريخية والجغرافية والثقافية، اختارت الجزائر الانحياز إلى ايران رغم حساسية وخطورة مشروعها الطائفي الذي أثر سلبا، ولا يزال، على استقرار عدة دول، كاليمن ولبنان وسوريا.
إن اصطفاف الجزائر إلى جانب إيران في الصراعات الإقليمية والحروب بالوكالة التي أصبحت المنطقة العربية مسرحا لها، ساهم بشكل كبير في تكريس عزلتها العربية، الأمر الذي يخدم الأجندة المغربية في الدفاع عن قضيته الترابية، وذلك عبر استثمار الدعم العربي في كسب حلفاء جدد بغية محاصرة جميع التحركات والمناورات الجزائرية، مثل ما حدث في الاجتماع الخامس لوزراء دفاع تجمع دول الساحل والصحراء، الذي عقد في مصر خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 25 مارس الجاري بمشاركة أكثر من 27 دولة عربية وأفريقية، حيث تمكن المغرب، رفقة مصر، من جعل وزراء دفاع دول تجمع الساحل والصحراء يقرون عددا من التدابير غير المسبوقة الموجهة بشكل مباشر للجزائر والبوليساريو، حيث تضمن البيان الختامي 17 بندا بشأن مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود في منطقة دول التجمع "س.ص"، يبقى أبرزها حظر جميع أشكال التدخل السياسي في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها وسلامة أراضيها، والإحجام عن تقديم الدعم للجماعات الانفصالية وحركات التمرد، وتعزيز قدرات القوات الدفاعية والأمنية للدول الأعضاء في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تنفيذ برامج شاملة للتدريب وتبادل الخبرات.
رابعا: الرهان التنموي الجديد بالصحراء: تقوية الجبهة الداخلية للحد من مناورات الخصوم
يعتبر النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي يسعى المغرب إلى تنزيله كورش استراتيجي غايته تجاوز وإجراء قطيعة مع نمط التدبير السابق، تمهيدا لمعالجة ملف الصحراء في إطار جهوية موسعة يعتبر مقترح الحكم الذاتي أحد صورها.
وفي هذا الإطار، يحاول المغرب، من خلال المخططات التنموية الجديدة بالصحراء، أن يحاصر الطروحات الانفصالية التي تجد بيئتها الحاضنة في الفقر والتهميش والفوارق واقتصاد الريع، إذ تعتبر تنمية الأقاليم الجنوبية مدخلا رئيسيا لتقوية ولتثبيت الاستقرار وتقوية روابط الانتماء إلى الوطن، وذلك من خلال إنجاز مشروعات ضخمة تنقل سكان المنطقة إلى نموذج اقتصادي واجتماعي أكثر استقرارا.
غير أن المعطى الذي يعيق ويؤخر انجاز المشاريع التنموية بالأقاليم الصحراوية، يرتبط بضعف الامكانات المالية، لاسيما أن بعض المشاريع تحتاج إلى استثمارات ضخمة، مثل تقوية شبكة الطرق، وإقامة محور للنقل الجوي بالأقاليم الجنوبية نحو أفريقيا، ومد السكة الحديدية بين مدينة مراكش ومدينة الكويرة، وبناء الميناء المتوسطي الكبير بمدينة الداخلة، وإنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب؛ حيث سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في هذا الإطار، أن دعا إلى استثمار حوالى 14 مليار دولار بالصحراء على مدى عشرة أعوام، استثمار يفترض أن تتشارك فيه الدولة والقطاع الخاص.
هذا الواقع المرتبط بالصعوبات والاكراهات المرتبطة بالتمويل يمكن تخطيه في سياق التحالف مع مجلس التعاون الخليجي، من أجل أجرأة الدعم المعلن من طرف تلك الدول في قضية الصحراء على أرض الواقع وبشكل ملموس، من خلال تمويل المشاريع أو تشجيع رجال الأعمال الخليجيين على الاستثمار في أقاليم الصحراء؛ حيث تندرج، في هذا الإطار، الزيارة التي قام بها رجال أعمال سعوديون خلال شهر مارس الماضي إلى الصحراء لأجل استكشاف أفضل سبل الاستثمار فيها، لذلك من الضروري العمل على تشجيع وتعميم مثل هاته الزيارات على باقي الخليجيين، وخلق مبادرات وفضاءات، سواء مؤتمرات أو تجمعات اقتصادية، في الصحراء تضم هؤلاء المستثمرين والخبراء الاقتصاديين.
وخلاصة القول إن التحالف، أو المحور المغربي-الخليجي، يؤسس لعلاقة إستراتيجية جديدة داخل الجسم العربي-الإسلامي، تتجاوز العلاقات السابقة التي تقوم على الخطابات العاطفية والمناسباتية التي أثبتت فشلها ومحدوديتها، هي علاقة تؤسس لمفهوم جديد للعمل العربي المشترك القائم على المصالح المشتركة. لذلك فانخراط المغرب بجيوشه للدفاع عن الأمن القومي الخليجي، يجب أن يقابله كذلك انخراط قوي وملموس لتلك الدول في الدفاع عن قضيته المصيرية، دعم بطبيعة الحال يتجاوز المنطق الخطابي الذي يتم تصريفه في المنابر الإعلامية. [7]
خاتمة:
نظرا للعامل الجغرافي والجيوسياسي على اعتبار ان المغرب ينتمي الى المغرب العربي فلا يمكن ان ينضم الى دول مجلس التعاون الخليجي ، بينما تعتبر الشراكة هي الحل الامثل بين الطرفين من اجل التكامل الخليجي العربي.
إن التحالف، أو المحور المغربي-الخليجي، يؤسس لعلاقة استراتيجية جديدة داخل الجسم العربي-الإسلامي، تتجاوز العلاقات السابقة التي تقوم على الخطابات العاطفية والمناسباتية التي أثبتت فشلها ومحدوديتها، هي علاقة تؤسس لمفهوم جديد للعمل العربي المشترك القائم على المصالح المشتركة.
لذلك، ومن خلال هذا البحث نناشد الحكومة المغربية وحكومة بلدان مجلس التعاون الخليجي الى العمل على أجرأة التوصيات التالية:
-إن انخراط المغرب بجيوشه للدفاع عن الأمن القومي الخليجي، يجب أن يقابله كذلك انخراط قوي وملموس لتلك الدول في الدفاع عن قضيته المصيرية، دعم بطبيعة الحال يتجاوز المنطق الخطابي الذي يتم تصريفه في المنابر الإعلامية.
- ينبغي توجيه استثمار الخليجيين لجهة الصحراء المغربية وهي ترجمة لما خلصت اليه القمة الخليجية المغربية الأخيرة؛
- العمل على الرفع  من حجم المبادلات التجارية الذي لازال دون المستوى المنشود، بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي؛
- دعوة الحكومة المغربية والحكومات الخليجية لتسهيل حركة النقل البحري بين دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب؛
- الدعوة لاتخاذ كل التدابير الضرورية لتشجيع الاستثمارات المشتركة في المجالات الاقتصادية والتجارية والتعريف بفرص الاستثمار المتوفرة في البلدين وحث المستثمرين من كلا البلدين على استغلالها؛
- تنسيق المواقف بين دول المجلس والمغرب في المحافل الاقتصادية الإقليمية و الدولية .
ان ارتقاء العلاقات المغربية الخليجية، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية ، ليس محكوما فقط بالسياقات السياسية لطبيعة العلاقات المغربية الخليجية، ما بعد الربيع العربي، وانما تم بناؤه تاريخيا في تطور بشكل مؤسساتي منظم، اقتصاديا وماليا، وأنه تطور على مستويات اخرى الأمنية والعسكرية.
وإن ما راكمته العلاقات المغربية الخليجية من تجارب تعاون وتنسيق وانسجام في المواقف السياسية والدين, , بالإضافة الى الارادة القوية لتحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة كفيل بتحقيق تكامل حقيقي في أفق الاندماج التام كحتمية مستقبلية لا محيد عنها .

لائحة المراجع:
مقالات صحفية:

- د.محمد الزهراوي، (ابريل2016 )، أربعة رهانات وراء دعم دول الخليج للمغرب في قضية الصحراء، موقع هسبريس الاخباري،24 ابريل 2016 ، المغرب ،  http://www.hespress.com/orbites/303566.html

- د.المصطفى قاسمي، (ابريل 2016) ، هذه الأبعاد السياسية والدولية للخطاب الملكي في قمّة الرياض،موقع هسبريس الإخباري الاكتروني، المغرب،  http://www.hespress.com/orbites/303475.html
صحف:

- صدور البيان الختامي للقمة الخليجية المغربية، (ابريل 2016)، جريدة الرياض ،العدد 17467، السعودية

مواقع اخبارية:
- انطلاق أول قمة خليجية مغربية في الرياض،)  ابريل، 2016) ، قناة الجزيرة الإخبارية،5 ابريل2016 ، قطر http://www.aljazeera.net/news
- خطاب العاهل المغربي أمام القمة الخليجية العربية، (ابريل 2016) ،وكالة المغرب العربي للأنباء ، 20/04/2016، المغرب، http://www.mapnews.ma/ar/discours-messages-sm-le-roi/


[1]  - انطلاق أول قمة خليجية مغربية في الرياض، )ابريل، 2016)، قناة الجزيرة الإخبارية، 5 ابريل 2016، قطر http://www.aljazeera.net/news

 [2] - خطاب العاهل المغربي أمام القمة الخليجية العربية، (ابريل 2016)، وكالة المغرب العربي للأنباء، 20/04/2016، المغرب، http://www.mapnews.ma/ar/discours-messages-sm-le-roi/

 [3] - د.المصطفى قاسمي، (ابريل 2016) ، هذه الأبعاد السياسية والدولية للخطاب الملكي في قمّة الرياض، موقع هسبريس الإخباري الاكتروني، المغرب،  http://www.hespress.com/orbites/303475.html

[4] - جريدة الاخبارية ، الرياض بتاريخ 21 ابريل 2016
[5] - مرجع سابق

[6] - صدور البيان الختامي للقمة الخليجية المغربية، (ابريل 2016)، جريدة الرياض ،العدد 17467، السعودية

 http://www.alriyadh.com/1148813

[7]  - د.محمد الزهراوي، (ابريل2016 )، أربعة رهانات وراء دعم دول الخليج للمغرب في قضية الصحراء، موقع هسبريس الاخباري،24 ابريل 2016 ، المغرب ،  http://www.hespress.com/orbites/303566.html

من أجل تحميل هذا المقال على شكل PDF - إضغط هنا أسفله

9anonak